متشدد رغم أنفه

علي مكتب صديق وجدت هذه الرواية ...جذبني إليها ثلاثة أشياء ...العنوان Reluctant Fundamentalist... واسم المؤلف " محسن حامد " ...والغلاف...وجه رجل مقسوم إلي نصفين ، الأول حليق يرتدي عوينات داكنة شبيهه بعوينات توم كروز في " مهمة مستحيلة " ، والثاني ملتحي معمم يليق باحد رجال طالبان.
بادرني صديقي القول بأنه انتهي لتوه من قرائتها ، وعلي الفور استعرتها منه ، شجعني علي ذلك ان عدد صفحاتها لا يتجاوز المائة الا بقليل.
تحكي الرواية عن لقاء شاب باكستاني من مدينة لاهور بزائر أمريكي ، وما يقصه الشاب علي الزائر من تجربته في الولايات المتحدة قبل وبعد سبتمبر 2001 ، فالشاب حصل علي منحة للدراسة في جامعة برينستون الامريكية العريقة ، وانهاها بامتياز مع مرتبة الشرف الأولي ، وحصل علي فرصة عمل في شركة مرموقة منحته راتباً ضخماً جعله ينتقل من العمل في مكتبة عامة للمساهمة في نفقاته ، إلي السفر في الدرجة الأولي واعتياد الفنادق ذات الخمس نجوم .
الشاب الذي يدعي " تشانجيز " – جنكيز – أصبح في قرارة نفسه أمريكياً خالصاً ، فهو يشرب الخمر وينخرط في علاقات مع الجنس الآخر ، علي الرغم من كون بشرته البنية وملامحة الآسيوية تصرخان في انه لا ينتمي لهذا المجتمع ، لكن نجاحه وتفوقه هما اللذان فرضاه علي صفوة هذا المجتمع.
يحكي الشاب للزائر كيف كان التحول من طالب باكستاني متفوق ، إلي خبير مالي أمريكي متفوق ...كيف أصبحت مانهاتن هي وطنه ، وتوارت لاهور بعيداً بعيداً عن مخيلته
يحكي الشاب عن اكتمال جوانب حياته الأمريكية بلقائه بايريكا ، الفتاة الحلم ، الفاتنة الشقراء المثقفة ، التي اجتذبها سحر الشرق الذي يشع من الطالب الباكستاني ، ويسرد كيف تطورت علاقتهما من تعارف إلي صداقة وحب .
ولأن لكل شئ اذا ما تم نقصان ، لم يستمر طيب العيش للشاب ، فخلال وجوده في مهمة عمل خارج الولايات المتحدة ، حدثت هجمات سبتمبر 2001 ، وفي طريق عودته إلي نيويورك وقع أول شرخ في جدار الفصل بين ماضيه وحاضره ، ففي المطار فوجئ بأن زملائه لم ينتظروه بعد أن تأخرت اجراءات الدخول لتعنت ضابطة الجوازات التي لم تقنعها تأشيرة الاقامة وكونه يعمل بشركة كبري ، وأصرت علي معرفة سبب قدومه للولايات المتحدة.
حاول أن يعود لحياته الطبيعية لكنه فوجئ باختفاء ايريكا وتجاهلها المستمر لاتصالاته ، حاول التركيز علي عمله لكن ازدياد حدة التوتر بين الهند وباكستان ، وترقب وقوع حرب بين البلدين جعلته يرغب في العودة للاطمئنان علي أسرته في لاهور
قضي عطلة نهاية العام بين ظهراني أهله ، وحينما عاد إلي مانهاتن فوجئ بأن الشرخ قد اتسع ، قرر أن يطلق لحيته ، ليس لشئ إلا لاقناع نفسه أنه لا يزال يذكر هويته وأنه ليس أمريكياً ، ورغم أن اللحية جعلته هدفاً للقيل والقال داخل الشركة ، وللسباب في الشوارع ، الا انه كان يرد دوما بان الرجال في بلاده يطلقون لحاهم.
عندما اتصلت به ايريكا من جديد ، تمني ان يجد في لقائها فرصة لعودته إلي ما كان عليه قبل وقوع الشرخ ، إلا أنه فوجئ بها مضطربة نفسياً ، وأن مشكلة موت خطيبها لا تزال حاجزاً قوياً بينهما
عندما سافر إلي تشيلي في مهمة عمل ، كان ذهنه معلقاً بأنباء الحرب الوشيكة بين باكستان والهند ، وبين ايريكا التي دخلت مصحاً نفسياً للاستشفاء ، وخلال السفرة التقي بناشر تشيلي عجوز لمح اضطرابه و ميز نبرة الغربة في صوته ، واختصر ذلك في حوار حول الانكشارية .
قال العجوز : في القرن السادس عشر كون العثمانيون جيشاً من الغلمان الذين اختطفوا من الدول المسيحية ن علموهم الاسلام وفنون القتال ، ثم وجهوهم نحو الممالك الأوروبية المسيحية ، وكانوا هم من وجه الضربة القاضية إلي هذه الممالك . وفي القرن العشرين هاهم المسلمون يرسلون فلذات أكبادهم من الطلبة المتميزين إلي الولايات المتحدة كي يفقدوا هويتهم ويصبحوا طليعة الاحتلال الأمريكي ، ولحقت بهم الجيوش أيضا
الفارق أن الغلمان اختطفوا قبل أن يميزوا ، والطلاب اختاروا بأنفسهم
هنا أصبح الشرخ كافياً كي ينهار الجدار ، وعرف الشاب أنه أصبح مملوكاً في العصر الحديث ، يخدم طموحات الامبراطورية الأمريكية التي لا تشبع ، وفي لحظته يقرر الشاب أن يعود من تشيلي إلي مانهاتن لانهاء علاقته بالولايات المتحدة ، يقال من عمله ، يبحث عن ايريكا فلا يجدها ـ يخبرونه أنها اختفت من المصح ووجدت ثيابها علي ضفاف نهر ، ربما غرقت ، يعود من جديد إلي حيث بدأ ... إلي لاهور.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أول خطبة ألقيت بعد تحرير بيت المقدس... عن موقع د. عمر عبدالكافي

من لم يرها لم يعرف عز الاسلام