American Elliott


تابعت مؤخراً حلقات الموسم الخامس من برنامج أميريكان ايدول ، الذي تقدم قناة المستقبل اللبنانية النسخة العربية منه تحت اسم سوبر ستار ، وهو لمن لم يشاهده مسابقة بين مغنيين شباب من كافة الولايات الأمريكية لاختيار أفضل صوت بينهم كنجم أمريكا الذي اختاره المشاهدون
البرنامج تبثه قناة فوكس المعروفة بتوجهاتها شديدة الولاء لاسرائيل ومميلها لتوجهات المحافظين الجدد والمسيحية اليهودية التي يبشر بها أمثال بات روبرتسون وجيري فالويل
علي الرغم من أن فكرة البرنامج بريطانية ، الا انها حققت نجاحاً ضخماً في الولايات المتحدة جعلها تستمر لخمسة مواسم بنجاح ساحق ، وتعتمد الفكرة علي وجود لجنة تحكيم من ثلاثة شخصيات تقوم بجولات في عدد كبير من الولايات المتحدة لاختيار من يمكنه التوجه إلي المرحلة النهائية في هوليود ،و من ثم تجري هناك المزيد من الاختبارات لتصفية المتسابقين بشكل تدريجي بالاعتماد علي تصويت المشاهدين لمطربهم المفضل هاتفياً
وتتضمن لجنة الاختيار موسيقي زنجي ، ومطربة من أصل عربي ، وشخص بريطاني يمثل الحكمة وعدم التحيز ، ويكاد يكون أفضل من يلعب دوره بين الثلاثة
علي مدي السنوات الأربع السابقة فازت ثلاث فتيات وفتي ، اثنان من الزنوج ، وشقراوتان ، وهو ما يمثل الحياد المطلق ومراعاة التمثيل بين طوائف المجتمع الأمريكي
لكن هذا العام بدا واضحاً أن هناك طائفة جديدة بدأت تدرك أهمية تمثيلها في هذا البرنامج ، اليهود الأمريكيون ...
في بداية حلقات البرنامج لم يلفت هذا الأمر نظري ، سوي بعد أن لاحظت أن مقدم البرنامج يضغط بشدة علي حروف اسم أحد المشتركين ، وتكرر الأمر عدة مرات ، بل أني ادركت أنه يصر علي ضغط اسم هذا المشترك في كل مره يقدمه أو يحييه فيها
كان اسمه يامين ... ايليوت يامين ، بالتأكيد طرق اسمه الأخير عدة أجراس ، فيامين قريب للغاية من اسم بنيامين التوراتي ، الذي يعني الابن المفضل ، وعندما نظرت لملامح الفتي الذي لا يتعدي الخامسة والعشرين ، زاد شكي في أن الفتي يهودي
لكن عندما ركزت الكاميرا ذات مره علي والدته زال عني أي شك ، فهي يهودية مائة بالمائة ، وهو ما دفعني للبحث عن معلومات عن الفتي علي شبكة الانترنت ، ولقد هالني حجم المعلومات المتاحة ، فهناك علي الأقل 20 ألف مصدر يوفرها موقع جوجل للبحث بمجرد كتابة اسم ايليوت يامين
وتذكر السيرة الذاتية التي يقدمها موقع ويكبيديا الشهير في أول سطورها أن ايليوت ولد في ريتشموند بولاية فيرجينيا لاب اسرائيلي من أصل عراقي ( وهو ما يفسر اسم يامين ) ، وأم اسرائيلية أمريكية
ويسهب الموقع في الحديث عن الفتي باعتباره معجزة – ككافة بني اسرائيل طبعا – حيث أنه رغم موهبته الفنية الكبيرة ، الا انه مصاب بصمم نسبته 90% في أذنه اليسري ، كما أنه يعاني من مرض السكر بحالة متقدمة تجعله يعيش علي مضخة أنسولين موصلة بجسده
ويبرز دور أمه الخارق الذي ربته بعد اختفاء والده – النذل طبعا باعتباره من أصل عربي – الذي هجر اسرته وتاركاً الأم المعجزة تربي صغيرها حتي كبر وأصبح من نجوم أميريكان أيدول
وعي الرغم من أنه كان هناك الكثيرين ممن يفوقون ايليوت موهبة إلا أن تصويت الجمهور كان يصب في مصلحته دوما ، فالفتاة السمراء البدينة التي توقع الجميع في البداية أن تصل إلي النهاية بفضل صوتها الرائع الذي أدهش الجميع ، خرجت مبكراً للغاية وأشارت بعض المواقع إلي أن سبب ذلك اهدائها لأغنية إلي المعارضين للشذوذ الجنسي !!!
حتي باريس ذات السبعة عشر ربيعاً التي تملك صوت أسطوري لم تصمد أمام ايليوت رغم أن الجميع كان يراهن عليها
كانت الطامة الكبري عندما أطيح بكريس الذي كان النموذج المفضل للشاب الأمريكي ، الذي كان يتوجه في ثقة إلي منصة التتويج
هنا فقط أحس الأمريكيون بالخطر ، فهم قد يساعدون اليهود ويعجبون بهم ، وقد يصلون إلي مركز وزير دفاع أو خارجية ، لكن ليس إلي درجة اختيار أحدهم رئيساً أو حتي نائب رئيس ، ولا حتي أميريكان أيدول
وهنا كان ايليوت يخرج من المسابقة محتلاً المركز الثالث ، ليس الأول ولا الثاني ... الثالث كما تقول القاعدة السياسية التي انطبقت هنا
لكن ان كان لا بد أن يتم الخروج ، فليكن بأقصي صور التكريم ، ليحصل المتسابقون الثلاثة علي 33% ، ويكون الفارق بينهم جزء من عشرة بالمائة ، كالنسبة التي فاز بها بوش علي جور في الانتخابات الشهيرة عام 2000 ، ولكن هذه المره لم يكن ايليوت ليطلب اعادة الأصوات فهو يدرك أنه حقق أكثر من منتهي أحلامه
ولم يكن هذا فقط ، بل أن الحفل الختامي للموسم شهد منح والدة ايليوت جائزة أفضل دعم عائلي ، وهو ما يبدو جائزة صنعت خصيصاً لها ، وتم تخصيص مقعد علي رأس صف لها حتي يهبط مقدم الحفل إلي كرسيها ويمنحها الجائزة في مكانها
عندما عاد ايليوت إلي بلدته واستقبله الحاكم كان يصحب أمه معه في السيارة التي شقت الطرقات وسط مئات المعجبين ، وهي تلوح لهم معه ، علي طريقة اشتري واحد وخذ اثنبن ، صوتك لايليوت ليس بسبب موهبتة فقط ، بل لمعاناته في الحياة التي تتفق مع معاناة بني قومه منذ قديم الأزل ، ومن ثم فاعجابك بايليوت هو تأكيد علي اعجابك باليهود وتأييدك المنقطع النظير للدولة التي تجمع الملايين من أمثال ايليوت ، وبالتالي عدائك الكامل لكل من ينتقدها ولو كان علي حق ، بغض النظر عن اذا كانوا أمريكيين مثلك أو بدواً من صحاري الشرق الأوسط أو رجال ملتحون ونساء يرتدين السواد يسمونهم بالمحمديين
أكثر ما أثار استيائي هو المطربة ذات الأصل اللبناني العربي التي كانت في كل مرة تكيل المديح لايليوت بشكل مبالغ فيه ، كانها تدافع عن اتهام سابق التجهيز لها ، وتنفي عن نفسها شبح معاداة السامية
ربما كان ايليوت موهوباً ، ربما كان حالة معاناة بشرية ، لكن الموسم الخامس لأميريكان ايدول لم يكن ليسير بنفس النسق لو لم يكن هناك تخطيط بارع لتقديم الشخصية اليهودية للمجتمع الأمريكي من باب جديد يلقي لديهم قبولاً شديداً
" الايمان بنظرية المؤامرة ربما يكون ضرباً من السذاجة ، لكن قمة السذاجة هو أن تعتقد أن الأحداث تجري بدون أي تخطيط" محمد حسنين هيكل

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت