..سلمة بن الأكوع ..الثاني

لو أن مخرجاً لأفلام الحركة أو الخيال العلمي ضمن أحد أفلامه هذا المشهد لاتهمه المشاهدون والنقاد علي حد سواء بالإغراق في الخيال والاستهتار بعقليات المشاهدين ، والمبالغة في اللامعقول
لكننا لن نقول أن هذا الموقف هو نسج خيال أحد المؤلفين أو رسم أحد المخرجين
فهذا الموقف هو حقيقة واقعة حدثت منذ أربعة عشر قرناً وثقها كتاب التاريخ ، وثقها ابن هشام والطبري وابن كثير

حقيقة دونها كل كتاب سيرة النبي محمد (ص) … القائد الأعلي لقوات المسلمين
ولنروي القصة من جديد :
كان اتفاق الهدنة هو صلح الحديبية الذي رأي المسلمون أنه أبخسهم الكثير من حقوقهم ، لكن الرسول الكريم كان يري ما لا يرون
اما توجه المسلمون نحو مكة للعمرة منعتهم قريش وكادت الحرب تنشب لكن الرسول أوفد عثمان بن عفان ليتفاوض مع قريش لكنهم حبسوه لبضعة أيام فسرت إشاعة أنه قتل ، فثار المسلمون بايعوا الرسول علي أنهم سيحاربون قريش حتي الموت انتقاماً لما فعلته بعثمان ، فيما عرف ببيعة الرضوان ، والتي أنزل فيها الله عز وجل قرآناً يتلي
كان بين الخارجين فتي أنصاري في السادسة عشرة من عمره كما ترجح أغلب الروايات من قبيلة أسلم ، لا يملك من حطام الدنيا سوي قلب عامر بحب الله ورسوله ، كان من أوائل من بايعوا الرسول علي القتال حتي الموت ، وبعد ذلك تولي ليفسح للآخرين لكن الرسول ناداه : لم لم تبايع ؟ قال قد بايعت يا رسول الله ، فقال بايعني ثانية ، فبايع الرسول مرتين في وسط الناس ، ولم يكتفي بهذا بل بايع الرسول مرة ثالثة في أخر المبايعين
لكن الإشاعة ثبت كذبها وعاد عثمان لمعسكر المسلمين ، ووقع الجانبان صلح الحديبية الذي يفرض هدنة بين الجانبين لعشر سنين ، رأي فيها الرسول فرصة سانحة للدعوة ولحماية المسلمين من باقي تهديدات الجزيرة
كان المسلمون عائدون صوب المدينة عندما وردت الأنباء إلي الرسول أن ثلاثة من زعماء القبائل يحشدون الرجال لتهديد المدينة ومهاجمة المسلمين ، لذا كان الرسول يقرر مهاجمتهم هلي الفور ، وحينما شرح الخطة للمهاجرين والأنصار الذين صحبوه كان الموقف الذي سردناه في صورته العصرية في المقدمة
كان الفتي ذو الستة عشر ربيعاً هو الرجل الراكض ، كان ممن اجتمعوا برسول الله وهو يشرح لهم خطة الهجوم ، وحينما لمح الرسول هذا المتسلل يبتعد عن معسكر المسلمين علي صهوة جواده ، قال ان الرجل عين ، من يأتيني به وله الجنة ؟
هنا كان سلمة يقفز من مجلسه ، ويتلفت حوله فاذا برجلين أخرين قد سبقاه ، واحد ركب ناقته ، والاخر قفز علي صهوة جواده ، وانطلقاً خلف الجاسوس ، ولم يكن لسلمة ناقة ولا جواد ، لكن الهدف الذي أمامه والجائزة التي أعلن عنها الرسول لم تترك له مجال للتفكير ، فقد انطلق علي ساقيه يجري خلف صاحبيه !!!
اخذ يجري ويجري وبعد عدة أمتار كان الجواد يعثر بصاحبه في الرمال ، أي أن المسلمين فقدوا أسرع رجالهم المطاردين للجاسوس ، فزاد هذا من حماس سلمة للعدو أسرع وأسرع ، فهل يترك سر رسول الله يصل للأعداء ؟ لا والله لا يكون أبداً ... هكذا قال سلمة لنفسه
فيقول " شددت وشددت حتي ادركت صاحب الناقة ، لكن غبار جواد الجاسوس كان يبتعد ويبتعد ، فشددت وشددت حتي كادت رئتاه تتمزقان وقدماه ، وشرايين قدميه تنفجران من ضغط الدماء داخلها
كان الجاسوس قد اطمئن إلي فراره بعد أن تأكد من عدم وجود من يطارده فلم يكن هناك غبار جواد يلاحقة ومن غير الممكن أن تدركة ناقة مهما كانت سرعتها ، وهنا ترجل الجاسوس قرب عين ماء وتوجه ليرتوي منها ، لكن ما كاد يقترب منها حتي فوجئ بمن ينقض عليه ليهوي بقبضته علي وجهه ومن هول المفاجأة كان الجاسوس يفقد وعيه من لكمة واحدة
وكانت أخر ما سمعه قبل أن يغيب عن الوعي هو صوت سلمة يقول "إلي أين ... أنت جنتي "
وقيده سلمة وامتطي حصانه حاملاً الجاسوس خلفة عائداً به إلي رسول الله .
هكذا اذا يمكن أن يسدل الستار علي القصة .. رجل عبد الله عزو وجل لفترة ثم قام بعمل وعده رسول الله عليه بالجنة ... غاية المراد من رب العباد !!!
لنتخيل أن هذا الرجل هو أحدنا ... أنت يا أخي ... أنت يا أختاه ... ربما العبد لله أيضاً
ماذا سيكون سلوكنا بعد هذا الفوز ؟؟
لنكرر الجملة حتي نستوعب أبعاد الموقف ، فالموقف يحتاج إلي تفكير عميق ، تخيل وجه الرسول الكريم وهو يتبسم في وجهك ويقول " يا فلان ... لقد وجبت لك الجنة " !!!
هل بدأت تستوعب الموقف ؟
الجنة التي وصل إليها شهداء أحد بعد أن ضحوا بأرواحهم في سبيل الله وتركوا خلفهم أهلهم ودنياهم ، الجنة التي بشر بها الخلفاء الراشدون ، وكبار الصحابة الذين حملوا الدين فور مولده علي أعناقهم وتحملوا الصعاب ليصبح الاسلام في ربع قرن دين ينتشر في قارات العالم القديم الثلاث ، بعد أن كان دين لرجل من قربش لم يؤمن به سوي زوجه وقلة من أصحابه يتسترون خلال عباداتهم حتي لا يتعرضوا للأذي من قومهم .
الجنة التي يظل المسلم يعمل عشرات السنين من أجلها حتي يلفي ربه وهو لا يدري إلي أين المنتهي .. أجنة أم نار
هل تتصورين يا أختاه الفارق ؟ بعد بشارة الرسول الكريم ... تعيش فيس الدنيا وأنت تعلم أنك من أهل الجنة ،
ومن ضمن لك ذلك ؟ الصادق الأمين محمد رسول الله
الآن ، هل أصبحت الصورة أقرب ؟ اذن ماذا ستفعل ؟ كيف ستصبح حياتك ؟ خاصة لو كنت شاباً في السادسة عشر من عمرك كحال سلمة ، أي في فورة الصبا وبداية الشباب
هذه أمثلة لما قد أفعله انا أو انت ، أو أنت :
يؤذن للصلاة فلا يحرك ساكناً ، يواصل نومه لو كانت صلاة الفجر ، أو يواصل مشاهدة فيلمه أو مسلسله المفضل أو حتي اللعب بالبلاي ستيشن ، أو حتي التشاتنج علي icq
يأتي رمضان فيجاهر بالافطار ، يتجاهل صلاة القيام ، ينتقل من خيمة لخيمة منافساً أصدقائه علي أسرع تدخين للشيشة أو مشاهدة أكبر كم من المسلسلات والبراج
في أوقات الفراغ لم يعد هناك داع لقراءة القرآن أو تدارس الحديث والسيرة ، لكن يقود السيارة بأقصي سرعة في الطرقات مطارداً الفتيات ، وهو يلوث الأجواء بأصوات من أنكر الأصوات

لو فعل كل هذا فهل سيلومه أحد ؟؟و هل يستطيع أحد أن يلومه ؟
سيكون رده الفوري " ما خلاص ... دخلنا الجنة وانتهي الأمر ، الدور عليك وعلي أمثالك "
هذا تصور لما يمكن أن يكون من أحنا ولكن هل فعل سلمة مثل ذلك ؟ كيف كان سلوكه بعد أن فاز بالجائزة الكبري ؟

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت