البابا الذي قالها

عندما تحدث البابا بنديكت السادس عشر أمام جامعة ألمانية باعتباره خبيراً وعالماً بالأديان وذكر أنه يري فارقاً كبيراً بين المسيحية والاسلام ، قال أن نبي الاسلام أمر أتباعه بأن ينشروا دينهم بحد السيف ، وهو أمر غير منطقي فالايمان يولد داخل الروح وليس الجسد ، فكيف يمكن للسيف أن يؤثر علي الروح ؟
وحتي يدلل علي صدق كلامه استعان بمقولة لامبراطور بيزنطي تذكر أن نبي الاسلام دعا أتباعه إلي نشر دينهم بالسيف
كان بنديكت السادس عشر رأس الكنيسة الكاثوليكية في القرن الحادي والعشرين يستدعي إلي الذاكرة ما قاله الامبراطورالبيزنطي مانويل الثاني بالايولوجوس الذي تولي حكم الامبراطورية الرومانية الشرقية عام 1391 ، تلك الامبراطورية التي تنتمي للكنيسة الشرقية الأرثوذكسية الجناح المعارض للكنيسة الكاثوليكية .
تقول المصادر الغربية أن هذه المقولة منقولة عن محاورة بين مانويل الثاني وعالم فارسي مسلم لم يهتم أحد بذكراسمه . لكنها لا تقول أن الامبراطور تولي حكم امبراطورية في نزعها الأخير ، بعد أن احتل الأتراك العثمانيون معظم أقاليمها وحاصروا الباقي ، حيث وصلوا إلي ضفاف نهرالدانوب وغزوا بلغاريا وشمال اليونان ، بل ونجحوا مرتين في التصدي للجيوش التي ارسلتها الدول الأوروبية لمساعدة بيزنطة .
ولما رأي مانويل هذاالضعف الشديد ، وعجزه عن التصدي للمسلمين دار علي حواضر أوروبا للدعوة إلي حملة صليبية جديدة لانقاذ بيزنطة وكان سلاحه الأول في جولته تلك هو تحريض المسيحيين علي المسلمين ، بل ووعد باعادة توحيد الكنيسة الشرقية مع الغربية حتي يصبح المسيحيون جبهة واحدة ضد خطر الاسلام ، وحتي يكتمل مخططه كان يردد مثل هذه المقولة حول نشر الاسلام بحد السيف اثارة لنخوة المسيحيين حول العالم.
لذا جاءت تلك المقولة بمثابة توظيف للدين لخدمة مصالحه السياسية ، وأهمها الحفاظ علي ملكه ، لكن بعد وفاته بسنوات قليلة كان جيش محمد الفاتح يدخل القسطنطينية عاصمة الامبراطورية البيزنطية ويضع كلمة النهاية علي تاريخ الامبراطورية الرومانية الشرقية التي كان مانويل الثاني أحد أواخر أباطرتها
ويصدق حديث نبي الاسلام الذي مدح الجيش الذي يفتح القسطنطينية فقال " نعم الرجال رجالهم ، ونعم الأمير أميرهم" ( أو كما قال )
والغريب أن هذا الحديث جاء رداً علي سؤال من الصحابة للنبي أيهما يفتح أولاً : القسطنطينية أم رومية ؟
فقال النبي بل القسطنطينية
وكما لو كان البابا بنديكت يشعر بالقلق من تحقق الجزء الثاني من حديث الرسول ، وإن كان الاسلام قد قضي علي الامبراطورية الرومية الشرقية بقوة السلاح ، فها هو الاسلام يغزو الامبراطورية الغربية بقوة الايمان ، فرغم كل شئ المسلمون في زيادة ، وكما تؤكد الاحصائيات الغربية أن نسبة من يدخلون في الاسلام في أعقاب 11 سبتمبر في تصاعد مستمر ، وها هي تركيا –التي كانت من قبل الدولة العثمانية التي اسقطت بيزنطة وجعلت القسطنطينية عاصمة لها – تقترب بشدة من الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي يعتبره الكثيرون منتدي للدول المسيحية ، ومن المعروف أن البابا بنديكت يدعم التيارات المعارضة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
بعد أكثر من ستمائة عام يجد البابا بنديكت نفسه في نفس الوضع الذي كان فيه مانويل الثاني ، ويسعي بكافة السبل حتي لا يلقي نفس مصير امبراطور بيزنطة البائدة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت