الفردوس المفقود



كنت في أواخر فترة الطفولة عندما صدرت أولي روايات سلسلة فارس الأندلس للدكتور نبيل فاروق ، قادتني هذه الرواية إلي عالم جديد لم أعرف وأنا أدخله أنه سيصبح أحد عوالمي التاريخية المفضلة ، التي أبحث دوما عن كل ما يدور حولها ويسير في فلكها
كانت حبكة الرواية بسيطة وشائقة فعندما سقطت قرطبة في يد القشتاليين لقي أميرها مصرعه وهو يدافع عنها ، وفر وزيره وقائد فرسانه بابن الأمير الرضيع ، وذهبوا إلي مملكة غرناطة التي صارت أخر ما بقي من دولة الاسلام في الأندلس ، وعمل الاثنان علي تنشئة الطفل ليصبح فارساً لا يشق له غبار ، يعمل علي حماية مملكة غرناطة من محاولات أعدائها المستمرة لغزوها والقضاء علي ما بقي من دولة الاسلام في الأندلس.
كان اصدار السلسلة شحيحاً للغاية ، ربما رواية في العام ، أو أقل . ودفعتني رغبتي للاستزادة حول تاريخ الدولة الاسلامية في الأندلس للبحث عن كل ما كتب في هذا الشأن ، ولم يكن ذلك سهلاً ، فهناك كتب التراث التي صيغت بلغة ذلك الزمان البعيد التي يصعب علي أمثالي فهمها ، كما أن جلها كما وجدت يحكي القصة من طرف واحد ، وربما يمجد في أمير – وهو من كتب التاريخ في عصره – ويتجاهل آخرين – هم بالطبع خصوم ذلك الأمير - ، كما أن الغالبية تتناسي تماماً وجود الطرف الاسباني في القصة
وبعد طول انتظار عثرت علي الجزء الأول من كتاب دولة الاسلام في الأندلس لمحمد عبد الله عنان ، وكان ذلك الكتاب هو الكنز المفقود ، فهو موسوعة من ثمانية أجزاء تضم تاريخاً تفصيلياً دقيقاً من قبل الفتح إلي بعد السقوط ، معتمداً علي ما كتبه مؤرخو الاسلام وأوروبا وقتها وبعد ذلك ، فهو يقدم الصورة من الجانبين ويدلي بدلوه للتقريب بينهما والنظر فيما هو أقرب للواقع بعد استبعاد مبالغات الجانبين وغلوائهما ، وكل ذلك بأسلوب أدبي راق يسمو علي السرد الممل والنقل المخل.
قرأت الموسوعة مرة واعدت قرائتها مرات ، وكلما اصبت بالاحباط من الوضع الحالي عدت إليها كي أعيش أمجاد الماضي
لكن عندما وجدت الكتاب / الموسوعة كان هدفي الأول التحقق من المعلومات التي قامت عليها سلسلة فارس الأندلس ، خاصة بعد أن أدركت وقوع خلط في السلسلة فيما يختص بالحاكم الاسباني الذي غزا قرطبة ، ففي عام 633 هجرياً سقطت عاصمة الدولة الاسلامية في يد فرناندو الثالث ملك قشتالة ، وهي لحظة البداية لسلسلة فارس الأندلس ، ففرناندو هذا هو الذي بارز أمير قرطبة – والد فارس بطل السلسلة- قبل أن يأتي قائد فرسانه (فاسكو ) ليقتل الأمير غيلة ، وهنا يعرب الوزير ومهاب قائد فرسان قرطبة بالرضيع (فارس) إلي مملكة غرناطة ، وتبدأ السلسلة فعلياً و( فارس) قد صار شاباً – لنقل في مطلع العشرينات – ويبدأ في مواجهة القشتاليين وملكيهم فرناندو وايسابيلا .
هنا يكمن الخلط ، ففرناندو الذي تزوج ايسابيلا ، هو فرناندو الخامس ، والذي اعتلي عرش قشتالة وأراجون عام 870 هجرياً ، أي بعد مرور 237 علي سقوط قرطبة ، ومن ثم لا يمكن أن يكون هو من واجهه ( فارس الأندلس ) ، أو ألا يكون فارس هو ابن أمير قرطبة إلا اذا كان شاب قد جاوز المائتي عام.
لا يؤثر هذاالخلط علي حبكة الرواية ولم يقلل من استمتاعي بها ، لكنه أدي لاهتمامي بالمزيد من التفاصيل فبدأت أبحث عن من كان أمير قرطبة عندما سقطت ؟ ومن كان وزيرها ؟ ومن كان قائد الفرسان؟
وعندما قرأت بتمعن وجدت العديد من المفاجأت منها من هو فارس الأندلس الحقيقي ؟ تماما كالبحث الذي لا ينتهي عن من هو رجل المستحيل الحقيقي ، لكن الاجابة الخاصة بفارس الأندلس متاحة للجميع ولا يحتكرها المؤلف ، أيضا تعرفت بأبطال يستحقون أن يكون لكل واحد منهم سلسلة روايات ، بل سلسلة أفلام , فأبطالنا هم من صنع الواقع ، وليسوا كأبطال الفلام الأمريكية من صنع الخيال ، لكنهم لا يجدون من يذكرهم
في المرة القادمة سيكون اللقاء مع أمير قرطبة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت