...ابن الأحمر

" صهل "رفيق" حصان "فارس" لينبه سكان المخيم الصغير بوصول زائر غير معروف ...وعلي الفور كان فارس ومهاب يهبان من نومهما ويتخذان وضع الترقب استعداداً لوصول الزائر الذي اقترب بسرعة من المخيم ، وما كاد يهبط من علي صهوة حصانه حتي كانت ذبابة سيف"فارس" تلتصق بحنجرته قبل أن يقول فارس " لا بد أن يكون لديك سبب وجيه للغاية حتي تفاجئنا بهذه الطريقة ، و..."
قاطعه صوت معلمه الذي جاء صارماً للغاية وهو يقول : " اخفض سيفك يا " فارس" واترك ضيفنا"
ثم انحني أمام الضيف وهو يقول : مرحبا بك يا مولاي " ابن الاحمر"

ابن الاحمر...أمير غرناطة التي تجري كل مغامرات فارس في فترة حكمه ، والذي أغرم فارس بابنته جميلة ، بعد أن انقذها من مؤامرة قشتالية لاختطافها ، وعاد بها إلي قصر ابيها
ابن الاحمر ؟؟
أي واحد فيهم ؟ كأنك تعني أن هناك الكثيرين ؟
نعم هناك أكثر من ابن واحد للأحمر ، بل يكاد كل أمراء مملكة غرناطة أن يكونوا من حاملي هذا اللقب ، حتي أن دولتهم سميت بدولة بني الأحمر.
دعونا نعود للفترة التي تناولناها في ( أمير قرطبة ) عندما ظهر (ابن هود) وسعي لتوحيد الأندلس بعد تهاوي دولة الموحدين ، ففي نفس الفترة لم يكن (ابن هود) هو الوحيد الذي فكر في انتهاز الفرصة ، ففي وسط الأندلس حاول شاب يدعي (محمد بن يوسف بن نصر) - الذي اشتهر بلقب (ابن الاحمر) وليس هناك اتفاق بين المؤرخين علي سبب تسميته (ابن الاحمر ) ...فمن قال أنه بسبب حمرة وجهه ولون شعره ، ومن قال أنه بسبب انشاءه لقصر الحمراء. - تجميع الأندلسيين حوله وتوحيد كلمتهم ، ونجح في السيطرة علي مدينة (جيان) وما حولها ، وتجمع حوله الكثيرون وهو ما شجعه علي التوجه جنوباً نحو غرناطة كبري حواضر الجنوب لكن ( ابن هود ) سارع لمواجهة (ابن الاحمر ) فأثر ( ابن الاحمر ) مصانعته وأعلن انضمامه إليه وأنه يحكم باسمه ، وهدفه من وراء ذلك توطيد حكمه في المناطق التي سيطر عليها ، وتجميع المزيد من القوات حتي يحين الوقت المناسب.
وعندما توجه (ابن هود) لمواجهة فرناندو الثالث ملك قشتالة كان (ابن الاحمر) يهاجم الحصون الجنوبية لغرناطة ويمد نفوذه إليها ، وبعد وفاة (ابن هود) كان أهل غرناطة يثورون علي واليهم الذي عينه (ابن هود) ويطردونه ، ويطلبون من (ابن الاحمر ) أن يصبح أميرهم.
هنا أصبح ( ابن الاحمر) الزعيم الحقيقي للأندلس والمتحمل لعبء الابقاء علي دولة الاسلام ، ونظراً لخصاله الحميده من زهد وتقشف في الحياة الدنيا ، ومآثر آخاذه في ساحات القتال كان الالتفاف الشعبي الكبير حول (ابن الاحمر) .
ولكونه نشأ دون دعم من أسرة كبيرة أو عصبة تمنعه من أعدائه سعي (ابن الأحمر) إلي توطيد دعائم ملكه الصغير حتي يستطيع الصمود أمام الاعصار الاسباني الكاسح الذي تساقطت أمامه حواضر الاسلام ، فلم يكن يهمه الدفاع عن المدن المهددة بأكثر من تأسيس مملكة قوية تستطيع مواجهة الاسبان ولو علي رقعة صغيرة من الدولة.
انعكس هذا التخطيط علي سياسة (ابن الأحمر) طوال فترة حكمه والتي استمرت لما يربو علي الأربعين عاماً .
لم يكد (ابن الأحمر) يستقر في غرناطة وما يجاورها حتي علم بأن فرناندو الثالث ملك قشتالة قد وجه جيشاً إلي جنوب الأندلس ليحاصر غرناطة ، وزاد الأمر سوءًا أن عدد من حكام المدن بادروا بعقد صلح مع ملك قشتالة وينضمون تحت لوائه ويؤدوا له الجزية مقابل الاحتفاظ بحكم مدنهم ومواردهم.
ساعد هذا فرناندو الثالث علي التركيز علي حصار غرناطة وحدها لكن ( ابن الاحمر) صمد ونجح في كسرالحصار عن غرناطة ، ولم يفت هذا في عضد ملك قشتالة فوجه جيشاً جديداً لمحاصرة مدينة ( جيان ) ثاني المدن الكبري بعد (غرناطة) ،وكادت المدينة أن تقع في أيدي القشتاليين وهنا كان (ابن الأحمر) يتخذ قراراً غريباً.
فقد ذهب إلي (فرناندو الثالث) واتفق معه علي هدنة بين الجانبين لمدة عشرين سنة مقابل أن يعلن ولائه له ويدفع جزية سنويه ، ويعاونه في حروبه بالمال والرجال.
كان هذا ثمناً باهظاً يدفعه ( ابن الأحمر) للحفاظ علي مملكتة الوليدة ، فقد ضحي باستقلاله السياسي وهيبتة الأدبية مقابل الاحتفاظ بأراضيه ، وبرر ذلك بأنه يهدف للصمود حتي تتاح فرصة للنضال من جديد.
لكن ملك قشتاله استغل هذا الصلح وطلب من ( ابن الأحمر ) معاونته في حصار مدينة اشبيلية أكبر المدن الاسلامية الباقية ، ودفع (ابن الاحمر ) قسطاً جديداً من ثمن الهدنة الباهظ.
تخيل... مسلمون يتحالفون مع أعداء الاسلام لحصار مدينة مسلمة ...مقابل أن يبقوا هم في ملكهم !!! كان هذا هو (ابن الأحمر) صاحب لقب "أميرالمسلمين" ...!!!
وبعد سقوط اشبيلية استدار فرناندو الثالث ليهاجم المزيد من المدن الاسلامية ، وفي كل حصار يكون جنود (ابن الأحمر) يقاتلون جنباً إلي جنب مع جنود قشتالة ضد المسلمين المحاصرين ، وبعد سقوط المدينة يظن (ابن الأحمر ) أن فرناندو الثالث اكتفي ، لكن ذلك لم يحدث حتي حقق فرناندو الثالث أكثر ما كان يحلم به بكثير ، فقد سقطت ثلاثة أرباع الأندلس المسلمة في يده ، وفر سكانها إلي غرناطة في الجنوب أو إلي المغرب.
لكن بالرغم من هذا تري هل كان (ابن الأحمر ) محقاً في ما قام به ؟
ففي مقابل ما سقط في يد الاسبان ، نجح (ابن الأحمر ) في انشاء مملكة غرناطة التي استمرت لأكثر من مائتين وخمسين عاماً بعد سقوط قرطبة ، في حين كان من الممكن أن تنتهي الأندلس ككل تحت الضربات العنيفة لملوك قشتالة وأراجون وليون ، والخلافات الداخلية العنيفة بين زعماء المسلمين ، وغياب الدعم التقليدي من ملوك المغرب بسبب الاقتتال الداخلي بين الموحدين ومنافسيهم .
تختلف الآراء وتتداخل الحقائق لكن الحقيقة الوحيدة أن (ابن الأحمر ) اجتهد بدوره ، وأجره عند ربه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت