...عيد الطفولة

لا أدري لماذا تلح علي هذه الأيام أحلام من زمن بعيد ، تتكرر بشكل مستمر ، تحيل واقعي إلي حلم ، تعود بي عشرين عاماً إلي الوراء .
تعجبت كثيراً من سبب تكرارها بهذا الشكل ، وفكرت عن سبب ، وهداني تفكيري إلي أن هذا الالحاح يبدو بسبب رغبتها في ألا تبقي في عالم الأحلام التي تنسي بعد سويعات ، لابد أنها ترغب في أن تتحول إلي كلمات وسطور ، تضمن لها تواجداً في صورة ما.
لذا قررت أن أتماشي مع هذه الأحلام ، أنفذ لها ما تريد ، ألا أتركها تذوي في صمت ، وأن أدونها ، لكن لأن هذه الأحلام تعود بي إلي أيام الطفولة فلن يكون من الممكن أن أصيغها بلغة فصحي وعقل رجل ناضج ، ومن ثم ستكون اللغة ركيكة وربما صارت في مجملها من العامية التي تتناسب مع عقل طفل في التاسعة .
أول حلم فرض نفسه كأول حلم بسبب التاريخ : فمنذ أيام مر علينا يوم 20/11 الذي نعرفه باسم " عيد الطفولة" وحتي لا أقترف اثما لا تنقصه حصيلة ذنوبي أقول " يوم الطفولة"
يوم 20 نوفمبر ده كان يوم مهم جدا لكل الأطفال من ساعة ما وعيت علي المدرسة وسمعت مس سناء واحنا في ثانية ابتدائي بتقول ان بكره اجازه عشان عيد الطفولة ، وطبعا أي يوم ناخده اجازه كان بيبقي يوم مهم وساعات تاريخي ، خصوصا انه في الايام السعيده دي كان بعد اجازة 6 أكتوبر مفيش اجازات غير اجازة نص السنة ، فلما نلاقي اجازة في الفترة بتبقي كنز.
بس للاسف الموضوع مفضلش كده عشان السنة اللي بعدها الست الناظرة " ماما أميمة النمرسي" قالت أن الادارة التعليمية قررت ان عيد الطفولة ميبقاش اجازة وان التلاميذ تيجي المدرسة بس يتعملهم حفلة وانشطة وكده
وده بقي كان أسخف حاجة ممكنة ، يعني مش كفاية ان احنا نصحي ونفطر ونلبس ونروح المدرسة في يوم عيد الطفولة ، لا وايه كمان نقف طوابير طول اليوم لغاية ما يفرجوا عنا !
وطبعا الاحتفال كان لازم يبقي في الحوش ، وتيجي الست الناظرة – ماما أميمة اوعو تنسوا – ترقعنا خطبة طويلة عريضة تبدأها بالمقدمة بتاعة خطبة الجمعة اللي كنا كلنا حافظنها ، وكنا بنقعد نقولها معاها او نسبقها فيها وتستمر خمس دقائق ، وبعدين تدخل في الموضوع وتقعد تحكي وتقول واحنا الشمس بتاكل في نافوخنا ،وبعد ساعةمن البداية بنبدأ نتعب فكل شوية تلاقي اللي قدامك في الطابور راح لافف وراجع أخر الطابور عشان يقعد يرتاح شويه علي الرمل ، وطبعا انت يا معلم لو فكرت تقعد لازم تخلي بالك ان البنطلون الاسود هيبقي اصفر ، وهتيجي مروح تلاقي ماما تسود عيشتك ، خصوصا لو كان لسه بدري علي نهاية الاسبوع ، والخلاصة انك متقدرش تقعد علي الرمل غير يوم الخميس عشان كده كده البنطلون هيتغسل
المهم بعد ماما أميمة ما تخلص الخطبة نقعد نصقف وكان الولاد اللي في سنة سادسة يصفروا كمان ، والاستاذ المشرف علي الاذاعة المدرسية يمسك الميكروفون ويقول تصقيف بس بلاش تصفير احنا مش في سينما ، بس يغمز للولاد اللي قدامه عشان يصفروا زيادة !
بعد الخطبة كان يبدأ الاحتفال بعيد الطفولة : الأول كلمة مس ليلي وكيلة المدرسة ومدرسة العلوم بتاعة سنة خامسة ، بس هي كانت دايما بتختصر وما بتزودش في الكلام ، بس ياريتها كانت برضه تختصر في الألوان اللي كانت بتحطها في وشها ، يعني كانت ست تقريباً في اوائل الخمسينات ومليانه ، ووشها عامل زي حلة المحشي كده ، بس عشان كانت بيضا فكانت تحب تعمل قوس قزح في وشها ، حاجة كده زي الست مرات البيه اللي بيشتغل في المديرية اللي مكلفينه يقبض علي العصابة اللي بتخطف في الستات ... نفر...نفر.
بعد مس ليلي كان ييجي الاستاذ سيد بتاع العلوم واللي كان بيدرس دين برضه عشان كان في ثانوي أزهري ومربي ذقنه ، كان يقف يقول كلمة بالفصحي ويقول آيات وأحاديث ، وكنا بنحبه عشان كان راجل طيب وبيعمل بالكلام اللي بيقوله ، يعني لما يقولنا نتوضا ونصلي مثلا الظهر ، كان يتوضا قدامنا عشان نتعلم ، ويقف يتفرج واحنا بنتوضا ، وعمره ما كان يصلح لحد قدام الفصل ، كان ياخده علي جنب كده ويقوله ايه الغلط ، وبعدين لما يسيبه يروح معلي صوته ويقول برافو انت أحسن واحد اتوضا النهارده
بعد كده بقي تيجي الأناشيد يقف الاستاذ هاني بتاع الموسيقي ووراه كام ولد وبنت غالبا من سنة سادسة ويغنوا واحنا نقول وراهم ، هنا بقي كانت تظهرالمواهب ... الولد سامح مثلا كان صوته مبحوح بس كان فاكر نفسه عبد الحليم ويقعد ينغم ويطول في الغنا ، والبنت دينا كانت عايشة في دور شادية وعماله تبح في صوتها ، والنجمة علا كان صوتها زي صوت دنجل عدو ميكي اللدود ، بس برضه فاكره نفسها داليدا
فيه بقي ناس تانيه كانت بتكبر دماغها – زيي انا كده – واقعد اقول أي كلام ، أو لو فيه مدرس قرب مني اقعد العب بقي كاني بغني
وفيه ناس كانت مهتمة جدا وتقعد تقول ورا اللي بيتقال زي ما نكون بنغني بلادي بلادي ، والا بنحيي العلم
الخلاصة ان الجيران اللي حوالين المدرسة كانوا بيسمعوا سيمفونية من النشاز اللي تخلي الواحد يتجنن ، والله مش عارف الناس ديه استحملونا ازاي
بعد الاناشيد كان يبقي فيه اذاعة مدرسية مخصوصة لعيد الطفولة بيعملها الاستاذ علاء مدرس العربي ، وبيخلي التلاميذ تقدمها وكلها فقرات من نوع " قالوا عن الطفولة... الطفولة كنز علي رءوس الأطفال لا يراه الا الكبار... تشرشل" ... وكلام من هذا القبيل
أمثال عن الطفولة " الطفل هو ملك الأسرة... مثل صيني"
من أخبار الطفولة " افتتاح مركز لرعاية الطفولة والأمومة في كوم الدكة " من جريدة الأهرام
وطبعا لازم لما الاستاذ يقدم الفقرة ويقول اسم التلميذ اللي هيقراها نروح مصقفين ، وبعد ما نخلص نصقف تاني ، وممكن نصفر لو التلميذ ده معانا في الفصل أو أخو حد معانا مثلاً ، فلازم نعمل معاه واجب ونشجعه جامد
بس في العادة أكبر تشجيع بيبقي للي بيقول الاخبار الرياضية خصوصا لما يقول الاهلي يهزم مش عارف مين 1/0
بعد اذاعة عيد الطفولة يحنوا علينا ويطلعونا الفصول عشان الاحتفال اللي بيعمله كل فصل ،وده بقي حدوتة تانيه ، يعني من قبلها بكام يوم كانت مدرسة الفصل تقعد تحضر معانا هنعمل ايه ومين هيجيب ايه ، وغالبا كنا بنلم فلوس عشان نزين الفصل ، ونجيب بلالين ( جمع بالونه ) ، وبعدين المدرسة تقول عاوزين حد يجيب كيكة أو مجموعة يشتركوا ويجيبوا تورته ، أو حد يتبرع ويجيب بيبسي
مره بقي انا عملت فيها فلحوس ورحت لماما قلتلها عاوز اجيب حاجة عشان الحفلة ، وطبعا عملت الشويتين بتوع ثالثة ابتدائي ، وطبعا وافقت وجابتلي كيلو " بتي فور" عشان اخده معايا
وانا رايح المدرسة يوميها كنت نافخ ريشي بقي والا كاني قارون ، ده انا جايب بتي فور ، مين قدي ، وطبعا ديه كانت أكبر مساهمة موجوده في الفصل ، بس للأسف المدرسة بتاعتنا اتخانقت مع خطيبها وفضلت قاعده تعيط طول النهار، ولغت الحفلة ولما جيت اخد البتي فور وانا مروح لقيت المشرفة بتاعة الدور – ديه يعني لا هي مدرسة ولا هي داده – قالتلي خليه هنا عشان ما ترجعش تجيبه تاني بكره لما المس بتاعتك تبقي كويسة وتعمل الحفلة ، وباعتباري طفل بيحسب الكبار ما بيكذبوش صدقتها ، بس لما رجعت وقلت لماما قالتلي انها كانت بتضحك علي عشان تاخده لنفسها ، ولما رجعت للمشرفة تاني يوم قالتلي انها سابت العلبة في الفصل ولما رجعت مالقيتهاش ، المهم يعني انها ضربت علبة البيتي فور ....بالهنا والشفا.
وكده بقي ينتهي الجزء الأول من ذكريات عيد الطفولة ، وإلي اللقاء مع الجزء الثاني
إلي اللقاء يا أصدقاء

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت