...أخر فرسان الأندلس


عجيب جدا أن تكون المصادر الغربية هي المصدر الأساسي وشبه الوحيد لأخبار فارس غرناطة " موسي بن أبي الغسان" ، فتكاد المصادر الاسلامية لتاريخ أخر أيام الأندلس لا تورد له ذكراً. وهو ما دفع العديد من الباحثين للتشكيك في حقيقة وجوده من الأصل ، بل أن بعضهم ربط بين تواجده في الأساطير والحكايا الشعبية الاسبانية بأنه كان " البطل العدو" الذي أوجده الاسبان ليجمعوا حوله كل القصص والأساطير عن مختلف الفرسان المسلمين الذين قاوموا الجيوش الاسبانية ورفضوا الاستسلام حتي أخر لحظة.
لكن دعونا نسرد سيرة هذا الرجل كما أوردتها الأساطير الاسبانية وبعض المؤرخين الاسبان
كان موسي سليلاً لأحدي الأسر العريقة التي تتصل بعلاقة مصاهرة مع أسرة بني الأحمر – حكام غرناطة – وكما يبدو من الأسم ان أصولهم ترجع إلي الغساسنة ملوك الحيرة القدامي
قالوا عنه أنه كان أفضل من يمسك بالسيف ويعلوة صهوة الجواد ، كان دائم السعي نحو مهاجمة الأعداء الذين حاصروا غرناطة وقيادة السرايا لكسر الحصار ومقارعة القشتاليين.
قالوا أنه كان ساخطاً علي الملك الضعيف أبو عبد الله الصغير أخر ملوك بني الأحمر ، الذي سبق أن أسره ملك قشتالة فرناندو الخامس ، وأطلق سراحه مقابل فدية كبيرة ،وأن يحكم باسم ملك قشتالة .
وكان هذا جزءً من المخطط المحكم التي وضعها فرناندو وايسابيلا ملكي قشتالة وأراجون ، فبعد حصار مملكة غرناطة من كافة الجهات ، وفصلها عن المغرب ، وارهاقها بالهجمات المستمرة من كافة الجهات وتشتيت قواتها ، كان الضغط الشديد علي ملكها الصغير أبو عبد الله الذي انهار تماما بعد وقوعه في الأسر ، ورغم اطلاق سراحه بعد ذلك الا أن مقاومته الداخلية كانت قد تضعضعت تماما وأيقن أن سقوط غرناطة لا أمل فيه .
وبعد أن أيقن ملكا قشتالة وأراجون أن غرناطة صارت علي حافة السقوط أرسلوا رسالتهم لأبي عبد الله مطالبينه بالتسليم مقابل السماح له ولخاصته ومن يرغب في السفر إلي المغرب ، مع تأمين من يبقي ومنحه العهود والمواثيق.
وكان صوت موسي أعلي الأصوات ضد دعاة التسليم وعلي رأسهم الملك ذاته ، وبجهد جهيد نجح موسي في اقناع الملك برفض التسليم ، وأرسل إلى فرناندو قائلاً له "... فليعلم ملك النصاري أن العربي قد ولد للجواد والرمح، فاذا طمح إلي سيوفنا فليكسبها... وليكسبها غالية... "
أثار هذا الرد غضب ملك قشتالة الذي ظن أن غرناطة قد لفظت أنفاسها الأخيرة وعقمت عن انجاب الأبطال ، فشن غارات مدمرة واحدة بعد الأخرى على غرناطة سنة 895هـ . وعادت الأصوات تدعو للجهاد من جديد ضد القشتاليين ، وأحس المسلمون بالحياة تسري من جديد في أجسادهم التي أماتها ذل الخضوع لسلطان ملوك اسبانيا ، حتي أن أبو عبد الله بنفسه نزل لساحة القتال وحارب بيده .
وتدافع المسلمون من شتي بقاع المملكة المحاصرة ومما حولها للانضمام إلي أبي عبد الله وقائد قواته موسي بن أبي الغسان وبالفعل نجحوا في ايقاف تقدم قوات فرناندو وايسابيلا ، بل وأفلحوا في استرداد بعض الحصون .
ووقعت ثورة للمسلمين في منطقة جبل طارق والتي كان القشتاليين قد سيطروا عليها ، وخرج إليهم موسي بن أبي الغسان ليساعدهم ونجخ في استعادة بعض الحصون وطرد القشتاليين منها
ولما رأي فرناندو تأزم موقف جيشه الذي ظن أن غرناطة ستستسلم دون قتال جمع جيشاً يقدر بخمسين ألفاً وقام بحرق الزروع وحرث الحقول وضرب حصاراً شديداً عليها ، كما طلب عون ملك البرتغال لقطع طريق الإمدادات إلى أهالي غرناطة من ناحية الجنوب.
فأصبح المسلمون بين السندان والمطرقة وطال الحصار على المسلمين الذين صمدوا لمدة سبعة شهور كاملة حتى استبد الجوع بهم ونفدت المؤن من عندهم.
فاستبد اليأس بأبي عبد الله وعاد للتفاوض مع فرناندو وايسابيلا ، لكن موسي لم يرضي بهذا فوجد نفسه وحكام غرناطة يستعدون لتسليمها راضين بالرحيل قابلين لوعود فرناندو وايسابيلا، فنهض مغضباً وألقى خطاباً يفيض حمية وحماسة رفض فيه التسليم وقال: " ... أما أنا فإني سأختار السبيل الذي يخلصني من هذا الذل والعار، ولكني أشفق على أمة محمد العظيمة من أن يقال إنها خشيت الموت دفاعاً عن غرناطة..."
ولعلمه بكذب عهود القشتاليين بتأمين المسلمين على أموالهم وأعراضهم وحرية تدينهم قال :
" ... يا قوم لا تغشوا أنفسكم، ولا تتسلوا بالمحال ، ولا تظنوا أن ملوك النصارى وافون بمواعيدهم لكم، فوالله إن الموت الأحمر هو أهون مما نتوقع ، وإنما نحن مستقبلون أمراً أيسره اكتساح الأوطان وفضيحة العيال وانتهاب الأموال وقلب المساجد..."
وترسم لنا الحكايا الشعبية صورة أسطورية لنهاية البطل ... فبعد أن قال موسي بن أبي الغسان ما قاله ، ووجد أن عزيمة الرجال قد خارت وأن التسليم صار أمراً حتمياً فوقف أمام الملك وقال :
"...خير لي قبر تحت أنقاض غرناطة في المكان الذي أموت فيه مدافعاً عنه ، من أفخم قصور نغنمها بالخضوع لأعداء الدين...".
وترك موسي قصر الحمراء للمرة الأخيرة دون أن يسمع كلمة من أحد ، واندفع بجواده لا يلوي علي شئ حتي التقي بسرية من فرسان قشتالة ، فوثب بينهم واشتبك معهم حتي رزق الشهادة.ولا تزال الجدات تحكي لأحفادها كيف انتصر الملكان الكاثوليكيان علي أعدائهم المسلمين ونجحوا في طردهم ، لكن فارساً رفض أن يقبل بالهوان ومات علي أرضه مدافعاً عنها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت