...اصابة ملاعب 2/2

ماذا جري ؟
يبدو أن كاحلي التوي
لعلك اصبت بكدمة أو شئ مثلها
لا لقد كنت اجري وحدي عندما التوت قدمي أسفل مني ولم أستطع بعدها الوقوف
اخلع حذائك ودعنا نري
بذل جهداً خارقاُ كي يخلع حذائه وجوربه ، وعندها كان الوضع لا يحتمل السكوت ، كن كاحله أزرق اللون كما لو كان قد مر فوقه قطار
بدا الانزعاج الشديد علي وجهي وانا اجري الفحوصات الأولية باعتباري خبير في اصابات الكرة الشراب منذ أيام الطفولة والصبي ، وحاولت أن احرك اصابع قدمه المصابة ، فصرخ
كان التشخيص واضح كسر أو شرخ ، لا بد من الذهاب إلي مستشفي لاجراء أشعة لتحديد حجم الاصابة
لكن أي مستشفي ؟
خبرتي مع المستشفيين الرئيسيين في المدينة غاية في السوء ، الأولي ينقطع فيها التيار خلال العمليات ويموت المرضي المساكين ، والثانية علي المريض أن يتصل بالطبيب من هاتفه الشخصي ويتفاوض معه علي " الفيزيتا" قبل أن يأتي الطبيب للمستشفي.
اتصلت بصديقي الطبيب المصري لاستطلع رأيه فقال هناك مستشفي صيني للأطفال ، ومستشفي عسكري للأمراض الوبائية
اختياران أحلاهما مر
لكن علي الأقل هذه مستشفيات لم أجربها من قبل ، المجازفة خير من انقطاع التيار او رفض الطبيب المقاولة
توكلت علي الله وعاونته علي السير حتي السيارة ، وانطلقنا نحو المستشفي الصيني ، باعتبار أني سأجد فيها صينيين
وكالعادة كنت بالغ السذاجة ، فالمستشفي الفرنساوي في مصر لا فرنسيين فيه ، والمستشفي الياباني بأبو الريش لن تجد فيه يابانيين
وصلنا إلي المستشفي بعد رحلة كرحلة أوديسيوس إلي إثاكا غير أننا لم نري السيكلوب لأن الأخ أوديسيوس واضح أنه قضي عليه سابقاً ، واقتصرت متاعبنا علي التيه في الطرقات الضيقة وسط المقاهي الصغيرة الغارقة في الظلام ، والسكاري المترنحين والراغبين في الانتحار ، وفتيات الليل اللاتي تجذبهن البشرة غيرالداكنة باعتبارها مرادفة للعملات الصعبة.
فور وصولنا إلي مدخل حالات الطوارئ استعملت آلة التنبيه كي أطلب من الممرض الجالس علي درجات السلم أن يحضر كرسياً متحركاً ، لكنه أشار إليه في اتجاه مبهم وسط الظلام ، فغادرت السيارة وكررت ما أطلبه فرد علي في لا مبالاة : " اذهب هناك واشتري ترمومتر"
بدت علي ملامح البلاهة الشديدة وانا اردد خلفه كالمسحور " اشتري ترمومتر"
قال : نعم هناك واشار إلي نفس المكان المظلم
قلت وأنا أزن الموقف مرات في رأسي : صديقي مصاب بكسر في قدمه نحتاج لعمل أشعة
قال بنفس اللامبالاة : اذهب هناك واشتري ترمومتر
قلت : اتظن نفسك س18 لا توجد في ذاكرتك غير جملة واحده بكافة لغات الكون
نظر لي ببلاهة وقال :ماذا ؟
تدخل صديقي المصاب وقال له وهو يخرج ورقة نقدية : تري أننا لا نستطيع الذهاب ، هي يمكن أن تشتريه لنا ؟
اختفت البلاهة من وجه الممرض وهو يقول : دعني أحضر لك كرسياً قبل أن أذهب
التفت لي صديقي المصاب وهو يقول : من هنا تؤكل الكتف
عاد الممرض بالكرسي وعاون صديقي ليجلس عليه وقاده إلي قاعة الطوارئ
كانت القاعة ممتلئة عن آخرها ولا موضع فيها لقدم ، الغالبية هن أمهات يحملن أطفالاً حديثي الولادة ، أو لم يبلغوا الثانية ، أيضا بعض الرجال ممن تورمت وجوههم أو تنزف بعض جراحهم ، مما يكشف عن مشاجرات الأحد المعتادة.
جلسنا ننتظر الترمومتر ، لكن ممرضة أخري بالغة البدانة اتجهت إلينا ممسكة بملف ضخم وقالت عليكم ملأ كافة البيانات .
كان الملف يتضمن بيانات بالغة الدقة والتفاصيل حول حياة المريض منذ ولادته وحتي ساعة دخوله إلي المستشفي
قبل أن أبدا في تدوين البيانات قال صديقي : أتمزح ؟ ملأ هذا الملف سيستغرق 3 ساعات!
وبدون أن يتحرك قال للممرضة : ترين أن ساقي مصابة لذا فسيكون خطي غير مقروء ، أتمانعين أن تقومي بملء الملف
وفي حركة سريعة كان يضع ورقة نقدية داخل الملف ، فابتسمت الممرضة لتكشف عن صفين من الأسنان التي اكتست بكافة طبقات الأصفر والبني.
مال ناحيتي وقال : هكذا تؤكل الكتف
كنت أتشاغل بمطالعة الوجوه المحيطة التي بدا كأن مرضها واصابتها لم يمنعها من الانشغال بهذين الوجهين الجديدين
عادت الممرضة البدينة وهي تقول : علينا أن نقيس ضغط الدم ، ومن ثم الوزن
قلت : الرجل مصاب في ساقه ،و طلبنا بسيط ...عمل أشعة
قالت : لا بد من الترمومتر ، ثم الملف ، ثم الضغط ، ثم الوزن
قال : لا مشكلة ولكن ماذا لو قلت لك أن وزني 80كجم ، وضغطي في المعدل الطبيعي ، وأن الورقة التي كانت داخل الملف كافية لكي تؤكد صدق كلامي
ظهرت علامات الاستياء علي وجهها وقالت : ربما
سألت : هل هناك طبيب عظام ؟
قالت : هل تريد أشعة أم تريد طبيب عظام ؟
قلت : الأشعة يجب أن يراها طبيب عظام
قالت : يجب أولاً أن تري الطبيب المناوب وهو الذي يقرر
قلت : وأين الطبيب المناوب ؟
قالت : ستدخل له عندما يأتي دورك
قال صديقي : أعتقد أن فتاة جميلة مثلك لن تقبل أن تتركنا ننتظر كثيراً أمامها ، خصوصا وأني غير متزوج
لدهشتي الشديدة ردت عليه الممرضة بضحكة رنانة وقالت : هكذا اذا ، الطبيب موجود هيا ادخلا
قبل أن يقولها هو كنت أن أقول : من هنا يؤكل الكتف... أعرف
دخلنا إلي غرفة الطبيب المناوب لنجده طالب طب حديث السن ، كان مسروراً للغاية بالحديث معنا ، وأخذ يفيض في الحديث عن سوء الأحوال ،و عدم رضاه عن حال البلاد والعباد
وعلي مضض اضطررت لمقاطعته لتوضيح أن سبب زيارتنا ليس لتجاذب أطراف الحديث ،وانما لمرض صديقي ، فقال اذهبا إلي غرفة الأشعة
وهنا في هذه اللحظة التاريخية كانت السا عة قد بلغت السابعة والنصف ، أي أنه مرت ساعة منذ وصولنا قبل أن نقوم بالتوجه إلي هدفنا الأساسي
صحبنا الممرض بعد أن عاد حاملاً الترمومتر ، وفي غرفة الأشعة كان الفني شاباً لطيفاً ظل يضاحكنا ويبالغ في الضحك ، حتي أنه أحتاج إلي أخذ سبع لقطات لتصويرالقدم بالاشعة وذلك خلال ساعة كاملة.
عندما عدنا للطبيب المناوب وجه التوجيه الحكيم إلي أهمية عرض الصور علي طبيب جراح
وعندما سألنا عن أفضليته علي طبيب العظام قال لأنه موجود بالمستشفي فيما أن طبيب العظام في منزله
وهو طبعا سبب كافي للغاية
لكن طبيب الجراحة عجز عن فهم صور الأشعة ، وقرر أنه لا بد من أخذ رأي طبيب عظام
ولما طلبنا الاتصال به ، قالت الممرضة البدينة فليعطيني أحدكم هاتفه المحمول ، فهو لن يجيب علي هاتف المستشفي
وبتلقائية اعطيتها هاتفي فطلبت الطبيب وبدأت تحادثه بلهجة محلية غير مفهومة ، لكن بالتأكيد كانت تخبره أن هناك اثنين من الأجانب وبالتالي ففرصة الحصول علي ربح كبير متاحة
لم يستغرق الطبيب سوي نصف ساعة حتي يصل نوعندما هل علينا ورأي الأشعة قال
جيد هذا ليس كسراً ، هذا تمزق ، لكن من الأفضل عمل جبيرة له
اخرج ورقة تحمل اسمه وكتب مجموعة من الأدوية والمستلزمات الخاصة بالتجبير وقال لي عليك احضار هذه الأشياء حتي نقوم بعمل الجبيرة
قلت أين صيدلية المستشفي
قال : في أخر هذا الممر ، لكن لماذا تسئل ؟
قلت : لابتاع هذه المستلزمات
قال : لن تجدها في صيدلية المستشفي ، عليك أن تذهب إلي صيدلية قلب المدينة
في هذا البلد السعيد يوجد عدد قليل من الصيدليات ، ولهذا يتم عمل جدول بحدد الصيدلية التي ستعمل ليلاً في كل أسبوع ، وفي هذا اليوم كانت الصيدلية المناوبة تقع علي مسافة كبيرة ، كأن تكون من سكان مدينة نصر و لاتجد صيدلية سوي في الهرم.
توكلت علي الله وتركت صديقي يتجاذب اطراف الحديث مع مجموعة الأطباء الذين تحلقوا حوله ، وانطلقت وسط الطرقات المظلمة محاولاً تفادي السكاري والساقطات ، حتي وصلت خلال نصف ساعة إلي الصيدلية ، وحسب اجراءات الأمن تغلق الصيدلية أبوابها تاركة نافذة صغيرة للتعامل مع الجمهور ، مخافة تعرضها لمحاولة سطو ليلي خاصة أن الشرطة غالباً ماتكون في سبات عميق
حينما جاء دوري ووصلت للنافذه ناولت الصيدلية الورقة فغابت دقائق وعادت لتقول لي اجمالي سعر المستلزمات لتري ان كنت سادفع أم لا ، فلما وافقت قالت احد الأدوية غير متوفر ، وعلي الفور اتصلت بالطبيب في المستشفي لاطلب بديل ، فقال لي غالبا لم يمكنها قراءة الاسم ، دعني احادثها ، فلما كلمها بدا كانها اكتشفت ان الدواء موجود!
عدت لسيارتي حاملة أدوية دفعت ثمنها ثروة صغيرة كافية لاجراء عملية قلب في مصر ، وحمدت الله ألف مرة.
احتاج الطريق نحو نصف ساعة أخري فعندما وصلت للمستشفي كانت الساعة تجاوزت العاشرة ، ولما دخلت إلي غرفة الطبيب المناوب هالني المشهد ، كان صديقي يجلس وسط الأطباء والممرضين يقص عليهم ما بدا أنهم مهتمين به للغاية حتي أنهم لم يلحظوا دخولي ،وعندما تكلمت بدا كما لو أنهم يعتزمون اخراسي ، لكن صديقي قال : نكمل أثناء عمل الجبيرة
نقله الممرض إلي غرفة أخري حيث بدأ العمل في تجبير قدمه ،وخلال نصف ساعة كنا نغادر المستشفي حاملين معنا الجبيرة في قدم صديقي.
وقبل أن نركب السيارة كان جمع حاشد من الأطباء والممرضين يقفون في الخارج لوداعنا وهم يؤكدون أنهم سيتصلون في أقرب فرصة للاطمئنان .
لم تتبدد دهشتي وأنا أسال صديقي عن سبب هذه الحميمية المبالغ فيها فضحك وهو يقول:
لقد قصصت عليهم قصة معاناتي مع خطيبتي التي ترفض الحضور إلي هنا ، وكيف أني أرغب في الارتباط بفتاة من أهل البلاد ، وعلي الفور تطوع الجميع بلعب دور فاعل الخير لتعريفي بأخته أو قريبته أو حتي صديقته ، بل ان الممرضة البدينة لما أحست عدم قبولي لفكرة الارتباط بها عرضت علي ابنتها التي لم تنهي المدرسة الثانوية بعد.
وارتفعت قهقهته وهو يقول : ويبدو أني أجدت الدور تماماً حتي أن أرقام التليفونات التي كتبوها لي تجاوزت العشرين رقماً ، وزيادة مني في اتقان الدور قمت باعطائهم رقم هاتفي حتي يمكن للراغبات في الارتباط الاتصال بي
قلت : هل أنت مختل ؟ سيمطرونك بالاتصالات ! سوف لن تتحمل كم الاتصالات
قال وهو يغالب ضحكاته : لا اطنك تخالني بلغت هذه الدرجة من السذاجة
قلت : وكيف هذا يا عبقري ؟
قال : لقد منحتهم رقم هاتفك
قلت : أمزحة سخيفة هذه ؟
قال والدموع تطفر من عينيه من شدة الضحك : أرني كيف ستخرج من هذا المأزق يا خبير
قلت وأنا أتفادي سكيراً كدت أدهسه : سأجيب علي كل الاتصالات بكل ترحاب وأطلب ممن يتصل أن يأتي لزيارتي
توقف عن الضحك أخيراً وقال : أمزحة سخيفة هذه ؟
قلت : لا بالتأكيد... سأعطيهم عنوانك أرني كيف ستخرج من هذا المأزق يا خبير

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت