وجه من الماضي

هذه التدوينة من وحي قصة قرأتها علي مدونة " هوم سويت هوم" والتي أعجبتني لدرجة أني فكرت في كتابة رد عليها بشكل ما
عندما عاد من عمله هذا اليوم كان الارهاق قد بلغ منه مبلغه ، تمني لو قفز إلي سريره ونام بثيابه حتي الصباح التالي
لكن أحلامه العريضات تلاشت فور أن استقبلته زوجته بابتسامة ساحرة وهي تقول
- تبدو مرهقاً
- ليس كثيراً انه العمل كما تعلمين
توجه إلي غرفتهما ليبدل ثيابه ،وعندما دخل وجد ثوباً أنيقاً من ثياب زوجته يحتل حيزاً كبيراً من السرير في اشارة واضحة
قبل أن يسترسل في أفكاره كان صوتها الذي يقطر رقة ينساب إلي أذنيه قائلاً:
- أسمعت عن المتجر الجديد الذي افتتح في وسط المدينة ، صديقتي كانت هناك بالأمس وأعجبها كثيراً ، لذا فكرت أن نذهب لنتفقده ، هذا طبعاً ان لم تكن متعباً.
- حتي لو كنت متعباً وغير قادر علي تحريك أصابعي كيف لي أن أرفض طلب يأتي بكل هذه الرقة.
كانت ملامحها تزداد بهاءًا عندما تسمع اطراء منه ، وكان هو يعلم ذلك جيداً
عندما انتهيا من تناول طعام الغداء كانت الساعة قد جاوزت الخامسة بقليل ، فقالت له :
- يمكنك ان تستريح قليلاً وسأبدا الاستعداد للخروج ، وكالعادة سأبلغك قبل نصغ ساعة من انتهائي
- جيد جداً ، لنجعلها خمس دقائق فقط ، لن احتاج أكثر منها
كانا قد وصلا لهذه المعادلة بعد شهور من التجربة والخطأ ، حيث تحتاج إلي مالايقل عن ساعة ونصف لارتداء ثيابها ، فيما يتطلب الأمر منه ما بين 5 و10 دقائق ( عشر دقائق لو احتاج حلق ذقنه ).
عندما كانت الساعة تدق السابعة كانا قد وصلا إلي السوق التجارية الكبيرة ، عشرات من المتاجر ، ومئات من البشر ، مئات من الوجوه التي تحمل ملامح من الشرق والغرب
كانت زوجته تتعلق بذراعه وهي تشير له نحو احد المتاجر وتروي له ما سمعته من صديقاتها وهو ينصت باهتمام عندما شعر فجأة بأن الزمن قد توقف ، والأصوات قد تلاشت ، واختفي كل من حوله
تراجع كل شئ أمام وجه شق طريقه في هدوء... وجه من الماضي
لم يكن لديه ذرة من الشك أنها هي، نفس الوجه كأن عشر سنوات لم تمر ،وكأن أخر مرة صادف فيه هذا الوجه كانت منذ دقائق . كانت تسير ممسكة بيد طفلة صغيرة ، بدت في عينيه كأنها نسخة مصغرة من أمها . كانتا تسيران وتتحادثان ، دون أن تدرك احداهما أن هناك من يرقبهما عن بعد.
أحس بانعدام في الوزن وتغير الزمان و المكان حوله ليجد نفسه في مبني الجامعة قبل سنوات ، وجد نفسه يتطلع بقلق إلي وجوه عديدة تتدفق من المدخل حتي دلف الوجه الذي يترقبه
سنتان مرتا وهو معجب بها في صمت ، يتابعها في كل مكان ، ويخشي أن تتلاقي نظراتهما
احتاج لعامين حتي يستجمع شجاعته ويتعرف إليها ، واحتاج لعام ثالث حتي عبر لها عما يكن من اعجاب
عام واحد فقط مر عليه كأيام معدودات ، هو العام الرابع الذي مر عليهما بعد اعترافه لها
لكن ذهبت السكرة وأتت الفكرة
ها قد تخرجا وأصبح عليهما مواجهة واقع الحياه
مرت عليه أيام عصيبة وهو يحاول ايجاد مخرج للمأزق ، خريج حديث يبحث عن عمل لا يزال يتقاضي مصروفه من والده ، أني له أن يأخذ خطوة نحو ارتباط رسمي ؟
هو لن يرضي أن يبقي علي علاقة بها دون أن تكون علنية و معروفة للجميع
كان بين السندان والمطرقة ، هو يحبها لكنه لن يقبل أن يضعها عرضة للقيل والقال
فكرا سويا لايجاد مخرج ، لكن النتيجة كانت معروفة مسبقاً
لذا كان قراره لا مفر منه
ذهب إليها وطلب أن تنساه وتصبر ، ربما يكون هناك مخرج للأزمة ، وربما تكون هذه مشيئة الهية
كان يعرف جيداً أن كلماته تلك ستكون سبباً في جرح غائر لن تداويه الا الأيام
لكنه كان يعلم أن هذا هو الحل الوحيد
مر عليه عامان وهو يتنقل بين وظائف صغيرة وأعمال موسمية حتي وجد عملاً مناسباً ، واحتاج لعامين آخرين حتي حصل علي وظيفة أكبر وراتب جعل فكرة الزواج ممكنة ، وقتها فكر فيها وحلم لو عاد ليجدها ، لكن حلمه تلاشي عندما عرف انها تزوجت وانجبت
ابتسم وقتها وقال " انها مشيئة الهية اذن"
التقي بعدها بزوجته ... التقيا... تعارفا... تحابا
حدث الزواج بسرعة كبيرة أكدت له أن مشيئة الله كانت تحتفظ له بهذه الزوجة
تلاشي وجه الماضي من ذاكرته منذ أن حل محله وجه زوجته
لم يطفو علي السطح الا الآن ... في السوق التجارية
هنا كانت الموجودات تعود للتجسد حوله من جديد
أيقظته هزة من يد زوجته وهي تقول : أتمانع أن أجرب هذا الثوب ، أعلم أننا في نهاية الشهر وأن الراتب لن يأتي قبل أسبوع .
قال لها وكأنه يفيق من سبات عميق : بل سأبتاعه لك الآن وفوراً
قالها وكأنه يكفر عن ذنب خاف أن يكون قد اقترفه

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت