...لا يمت لنا بصلة

الحمد لله لست وحدي الذي يشعر بأننا بلغنا من السفه مبلغاً غير مسبوق ، صحيح أني أتابع الأحداث في مسقط رأسي عن بعد ، لكن الناس في بلدي الثاني أشعروني بأني لست وحدي .
فبمناسبة يوم القديس فالنتين نشرت كبري الصحف تحقيقاً موسعاً عن المناسبة التي يروج الغرب للاحتفال بها في هذا اليوم تحت اسم " عيد الحب " ، وعن النجاح الكبير الذي حققته الدعاية الغربية الضخمة في فرض هذه المناسبة علي البشر في مختلف أنحاء العالم .
في العادة عندما ينتقد شخص مصري أو عربي أو مسلم هذه الاحتفالات يكون الرد المحفوظ سابق الاعداد أنه متطرف أو ربما متشدد فقط أو لعله ارهابي ، كما يمكن أن يشتمل الرد اتهامات بالرجعية والتخلف والانعزالية ، والرغبة في الانغلاق علي الذات ورفض مواكبة العصر ، وطبعا هذه هي الأسباب التي جعلت منا في ذيل الأمم.
لذا سيكون استعراضي لأراء تنتقد هذه المناسبة صادرة عن أفارقة – داكنو البشرة وليسوا من الشمال أو من الأفارقة بالتجنس – يدين معظمهم بالمسيحية أو بالمعتقدات المحلية الأفريقية المختلفة ، ولنري لماذا يرفضون الاحتفال بيوم القديس فالنتين
نبدأ مع السيد " روبير نكيلي" الذي يشغل منصباً وزارياً رفيعاً والذي يقول بصراحة فاقت التصور :
" هذه المناسبة مستوردة من ( البيض ) الذين يعتبرونها فرصة للاعتراف بحبهم لرفيقاتهم ، أما نحن ( السود ) فلا ننتظر مرور عام حتي نعترف لزوجاتنا بمدي حبنا لهن ، إن الحب شعلة تنطفئ لو لم تستمر في اذكائها , وبالتالي فإن الانتظار حتي هذا اليوم حتي أخبر زوجتي أني أحبها بالنسبة لي مجرد مزحة ومحاولة لخداعها " .
رجل صريح للغاية لدرجة أنه استخدم الكلمة المحرمة ( البيض ) والتي تعتبر ( تابو ) بالنسبة للمثقفين في البلاد الذين يعلمون جيداً أن رفض تقسيم البشر علي أساس لون البشرة واحد من المطالب التاريخية للزنوج في كل أنحاء العالم. لكن استخدامه لهذا المصطلح استهدف الرابط في الوجدان الجماعي بين الشر ولون البشرة الأبيض في التدليل علي أنه لم يأتي للأفارقة خير من قبل من جراء التعامل مع ( البيض ) وبالتالي فإن هذه المناسبة لا يمكن أن تختلف .كما أن إضافته لنقطة محاولة خداع الزوجة ترمي إلي استفزاز غرور النساء التقليدي حتي يشتركن في رفض الاحتفال بهذه المناسبة بسبب انها تمثل حطاً من قدرهن.
نترك السيد " نكيلي " ونتوجه إلي شخصية تحتل موقعاً هاماً علي الصعيد الشعبي هذه المرة وهو "الفون تشافاه" – فون تعني الحاكم في اللغة المحلية – زعيم قرية بانجولان في اقليم شمال الغرب – بالمصري العمدة – الذي انتقد الاحتفال بهذه المناسبة لأسباب مختلفة :
" لا أهتم مطلقاً بهذه المناسبة ، انها لا تمت بأية صلة لعاداتنا وتقاليدنا ، بل انها تتعارض إلي حد كبير معها ، إن الأفارقة لا يظهرون مشاعرهم بهذا الشكل الفج ، ولا يبالغون في اظهار حبهم لزوجاتهم بشكل قد يشكك في وجود هذا الحب من الأساس ، وبالنسبة لي شخصياً فباعتباري زعيماً للقرية يجب علي أن أتزوج من أكثر من امراة ، وبالتالي فإن علي التحكم في اظهار مشاعري والعدل بين زوجاتي والمساواة بينهم في كل شئ ، من ناحية أخري فكلهن يعلمن أني أحبهن وبالتالي لا حاجة للاعلان عن شئ هن يعرفنه..."
باعتباره زعيماً تقليدياً لا يجوز له حتي ارتداء الملابس الأوروبية ، ويجب عليه أن يكون نموذجاً لما ينبغي أن يكون عليه عضو هذه القرية لجأ ( الفون تشافاه) إلي انتقاد هذه المناسبة من جانب أنها لا تنبع من عادات وتقاليد المجتمع ، وبالتالي ليس لها جذور داخله ، والمفترض أن يحتفل الشخص بمناسبة قريبة إلي قلبه ، يوجد بينهما رباط داخلي ، يجعله يشعر بأهمية تلك المناسبة وخصوصيتها بالنسبة له.
ولم يفت عليه اعطاء جانب شخصي لوجهة النظر هذه من ناحية كونه متزوج من أكثر من واحدة ، وبالتالي كيف يمكن تقسيم مناسبة لاثنين علي أكثر من ذلك.
نبتعد عن الوزراء والزعماء التقليديين ونذهب إلي البروفسور " نجيما ماوونج " أستاذ علم الاجتماع الذي يشترك في رفض الاحتفال بهذه المناسبة لسبب أكثر أكاديمية "
" يوم القديس فالنتين لا يعني شيئاً للمجتمعات الأفريقية ، القصة التاريخية تقول أنه كان يساعد الراغبين علي الزواج في وقت حرم فيه الزواج في أوروبا ، وما دخلنا نحن بهذا ؟؟ المجتمعات الأفريقية تملك من القيم والأعراف ما يمنع حدوث مثل هذه الترهات ، الزواج مؤسسة سامية تعلو علي الأحكام والقرارات الشخصية ، ولا يمكن لشخص مهما كان أن يقضي بالغائه أو منعه..."
"... إن ما يحدث الآن هو أحد الأدلة الهامة علي أثرالعولمة علي مجتمعاتنا الأفريقية ، لقد حولتنا إلي مقلدين ، نحاول محاكاة ما يقومون به في أوروبا وأمريكا بكل دقة ، وبدون ادراك لأثر هذه المحاكاة علي مجتمعاتنا التي بدأت تفقد ما يميزها ، وذهبت لتقف في الطابور الطويل لمقلدي الغرب ..."
"... لقد نجح الغرب في أن يقنع شبابنا وفتياتنا أن ما ينبع لديه لا غبار عليه ، وأن القيم والعادات والمناسبات الغربية هي التي تستحق الاحتفال ، وبالتالي صارت القيم والعادات والمناسبات الأفريقية أقل بريقاً في أنظارهم وبدأت أهميتها في الخفوت "
"... المخيف في الأمر أن من يتجاهل هذه المناسبة لأي سبب من الأسباب يصبح محل انتقاد ليس فقط من المجتمع ، لكن أيضا من زوجته التي يفترض أن تكون أقرب الناس إليه وأكثرهم قدرة علي فهم دوافعه ، وبالتالي صار علي من يرفض هذه المناسبة أن يعد نفسه لمشكلات عائلية أيضا..."

كلام بالغ الحكمة ولا يحتاج مني إلي تعليق
فقط أكتفي بالتذكير بأن هذه كانت وجهات نظر شخصيات بارزة في دولة أفريقية سوداء تعرضت لاستعمار من دول أوروبية مختلفة وتضم 220 عرقية تتنوع دياناتها واعتقاداتها وعاداتها وتقاليدها ، لكن ما جمع بين الشخصيات الثلاثة هو رفضهم للاحتفال بيوم القديس فالنتين...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت