ايلوي ومورلوك...واحد

" ... اكتشف المسافر أن التوزيع الطبقي الذي كان موجوداً في مجتمعه لا يزال سائداً ، وأن الجنس البشري قد انقسم إلي فرعين ، فالطبقات الغنية المترفة تحولت إلي جنس خامل كسول الايلوي ، فيما تحولت الطبقات العاملة إلي جنس أقرب للوحوش يدعي مورلوك يأكل لحم البشر ويعيش تحت الأرض ويتولي ادارة المصانع والآلآت التي تكفل للايلوي الحياة المرفهة التي لا يحتاجون فيها للعمل ، وعلي الرغم من هذا فإن الفرعين يشتركان في انخفاض مستوي ذكائهما "

في عام 1895 نشر كاتب بريطاني هذه السطور ضمن رواية نشرت علي حلقات في مجلة " نيو ريفيو" يعتبرها الكثيرون احدي أشهر روايات الخيال العلمي في التاريخ ، وإن كانت حقيقتها غير ذلك
كتب " هربرت جورج ويلز " روايته " ألة الزمن " ليعبر فيها عن رؤيته لتطور المجتمع الصناعي الحديث الذي شهد تطوره المتسارع في لندن في نهاية القرن التاسع عشر ، وبفكره الاشتراكي وجد " ويلز " أن التطور الصناعي وما يجره علي المجتمع من تقسيمات جديدة سيؤدي إلي تطورات خطيرة لم يجد حوله من يدرك نهايتها
عندها حاول " ويلز " لفت الانظار إلي الخطر الذي يتوجه نحوه المجتمع ، وباعتباره كاتباً فذاً استعان " ويلز " بعمل سابق حول السفر في الزمن - لم يحظ بنجاح كبير – ليقدم تحذيره إلي المجتمع.
ولشدة اهتمامه بأن يكون البطل في الرواية هو رسالتها لم يهتم بأن يمنح بطلها اسماً واكتفي بوصفه بمسافر الزمن ، ولم يسهب في الحديث عنه ، بل وضعنا مباشرة في قلب الاحداث باكتشاف المسافر ان الزمن هو البعد الرابع ومن ثم يمكن التنقل فيه باستخدام الوسيلة المناسبة
وعندما فعلها المسافر انتقل إلي من لندن في نهاية القرن التاسع عشر إلي لندن عام 802701
ليجد مجتمعاً مسالماً يضم بشراً يشبهون الأطفال عيونهم واسعة وانوفهم وآذانهم صغيرة ، بشرتهم وردية وبنيتهم هشة ، وأصواتهم ناعمة، تختفي فيهم الفروقات الواضحة بين الرجال والنساء ، يعيشون دون جدال أو نزاع
يحدث أول تداخل بينه وبينهم عندما يجد فتاة من بينهم تصارع الغرق ويقوم بانقاذها أمامهم ، فيندهش من قلة حيلتهم وعجزهم ، ويكتشف انخفاض ذكائهم
يكتشف المسافر انه لا يزال في لندن ، وقد تحولت إلي حديقة ضخمة تحوط عدداً من المباني التي يقيم فيها الايلوي ، ولا يقومون بأي عمل ويكتفون بتناول الفواكه ، وهو ما يثير تعجبه من امكانية استمرار هذا الجنس في الحياة ويقول أن هذا التدهور في امكانيات البشر لا بد أنه يعود إلي السعي المستمر لاخضاع البيئة للسيطرة البشرية الكاملة – الثورة الصناعية – فعندما تحققت هذه السيطرة لم تعد هناك أي تحديات وفقد البشر حاجتهم للتفكير والعمل ، وبدون عمل أصبح البشر أقصر قامة وأضعف بنية وذابت الفوارق بين الجنسين ، فالرجل صار لا يعمل ليكسب قوة أسرته وبالتالي أصبح أقرب للمرأة
وباختفاء الحاجة للعمل ذابت الفوارق الطبقية وأصبح المجتمع مكوناً من طبقة واحدة لا تحتاج لرئاسة او قيادة أو حتي تميز بينهم
فقد اختفت الجرائم والحروب ، وفي نفس الوقت اختفت الثقافة والفنون والآداب ، فكلها تحتاج إلي عوامل حفز انتهت بانتهاء الحاجة للعمل
لكن السؤال الذي حير المسافر تمثل في كيفية بقاء الايلوي علي قيد الحياة رغم انخفاض ذكائهم الشديد ، والأهم هو قلة عددهم وعدم وجود أطفال أو شيوخ
كانت اجابة هذه التساؤلات صادمة للمسافر
الايلوي لم يكونوا أكثر من قطيع يرعي بلا هدف ، والراعي هو المورلوك
الطبقات العاملة التي ضغطت عليها الثورة الصناعية ظلت تتدني وتتدني لدرجة أنها فقدت اتصالها بالبشرية واقتريت إلي درجة بشعة من الوحوش ، اصبحت تقوم بكافة الأعمال التي تكفل حياة مترفة للايلوي في مقابل ... في مقابل لحوم الايلوي
هكذا تصور " ويلز" نهاية الجنس البشري
معادلة بالغة البساطة ... أقصي أنواع التكامل بين البشر
لحمك مقابل حياتك
(يتبع )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت