يوم الخروج

" استعدوا ...من الرابعة صباحاً ستفتح الأبواب...إنه الحدث المنتظر طوال العام ...لا تفوت الفرصة...اترك النوم ليوم آخر ...لو غفت عيناك سيسبقك الآخرون...احضر أكبر حقيبة لديك واحمل كل ما تريد ... تذكر أن هذا العرض حتي السادسة من مساء الجمعة فقط "
هذه عينة من الإعلانات التي امتلأت بها الأجواء منذ وضعت قدماي وراء المحيط ...وسريعاً علمت ان اليوم التالي لعيد الشكر يسمي بالجمعة الداكنة والتي تقوم فيها المتاجر بأكبر تخفيضات طوال العام ، وتعتبر افتتاحاً لموسم العطلات الذي يصل إلي ذروته في عيد الميلاد ثم رأس السنة .
وكما نقول فإن التكرار علي المسامع أشد فعالية من السحر ، لذا وجدت نفسي أصحو بفعل أرق السفر في الثالثة من فجر ذلك اليوم وأشاهد بعض القنوات التلفزيونية التي نقلت بصورة مباشرة صفوف البشر الذين اصطفوا أمام المتاجر الكبري التي ستقدم تلك التنزيلات الكبري من الخامسة صباحاً حتي السادسة مساءً ، كانت درجة البرودة تنخفض في تلك الساعات عن الصفر ، لكن ذلك لم يفت في عضد المصطفين الذين حمل بعضهم حقائب سفر ضخمة لتكفي كل ما يريدون حمله دون أن يعوق استمرار عملية الشراء الكبري التي تستمر لاثنتي عشر ساعة.
لم أكن بذلك القدر من الحماس للنزول قبل صلاة الفجر ، لكن مع الثامنة صباحاً كنت في متجر ميسي الضخم في شارع 34 بين الجادتين السابعة والثامنة ، هناك كانت جموع البشر قد خرجت للصيد...الكل يبتاع كل شئ، لم أصدق نفسي من فرط الزحام والاقبال منقطع النظير علي الشراء علي الرغم من الشقيقة التي تصيبني كلما أدرت قناة اخبارية تتحدث عن الأزمة الاقتصادية العالمية والركود المهول وتسريح عشرات الآلآف من العمال في شركات السيارات العملاقة.
تشاغلت بشراء بعض الاحتياجات ثم توجهت لدفع ثمنها فوجدت صفاً طويلاً في طريقي فتوقفت فيه مستعيداً ذكريات السبعينات المجيدة عن طوابير الجمعية ، لكن هذا كان واحداً من ألطف الطوابير الممكنة فالجميع يتحادثون لازجاء الوقت ويستعرضون مشترواتهم وغالبا ما يعجب شخص بما ابتاعه آخر فيسارع لابتياع شئ مماثل ويعود ليجد دوره محفوظاً ، انتهزت الفرصة كي أسال جارتي في الصف عن تفسير حمي الشراء هذه رغم الظروف الاقتصادية القاسية فردت بشكل تلقائي قائلة أن القاعدة هي أن التخفيضات لا تتكرر والكل متفائل بتحسن الأوضاع بعد انتخاب الرئيس الجديد،كما أن موسم الأعياد سيأتي في موعده رغم الأزمة المالية ، ومن ثم انتهز الفرصة وابتع ما تحتاجه في التخفيضات وفي جميع الأحوال ستدفع مقابله ببطاقة ائتمان ، وعندما تعود إلي منزلك استرخ واستعرض مشترواتك وفي يوم الاثنين يمكنك بكل تأكيد أن تعيدها كلها لو أردت، المهم أنك خرجت للتسوق مثل الجميع وارضيت غرورك ونهمك للشراء ولم تشعر بأنك أقل من غيرك.
قضيت يوماً ممتعاً بين المتاجر ووسط الطوفان البشري من جميع الجنسيات الذي ازدادت كثافته لدرجة أنه حال خروجي من متجر " ميسي" في منتصف النهار وجدت شارع برودواي كمدخل ملعب القاهرة فور انتهاء مباراة الأهلي والزمالك – وفوز الأهلي بالتأكيد – حيث يسير البشر ككتل متلاصقة وسط أرتال سيارات الأجرة .
حينما عدت لغرفتي لأحصل علي قسط من الراحة قبل أن أستأنف جولتي الشرائية راعني الخبر الرئيس علي أخبار قناة نيويورك الأولي ، مصرع عامل بمتجر " وول مارت " دهساً تحت أقدام المتسوقين ...ذكرت التفاصيل أن جيمي دامور الذي تم تعيينه لمدة قصيرة لموسم التخفيضات في متجر "وول مارت" لقي مصرعه بعد أن اقتحم المتسوقون باب المتجر قبل دقائق من فتحه ، حيث حاول عدد منهم فتح الباب عنوة ولما حاول جيمي منعهم ازداد عددهم وفتحوا الباب الزجاجي فانحشر جيمي خلفه وعبثا هرع زملائه لانقاذه لكن المتسوفين اجتاحوا المتجر ودهسوا جيمي الذي قضي نحبه.
كانت هذه هي افتتاحية اليوم الداكن للتسوق والتخفيضات ، قبل الخامسة صباحاً كانت الضحية قد فارقت الحياة تحت أقدام من سهروا الليل أمام باب المتجر تأهباً لشراء أشياء قد يعيدونها في اليوم التالي ، لكن الروح لن تعود للعامل المسكين القادم من جزيرة هاييتي الصغيرة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت