الخروج من النفق


سولت لي نفسي الأمارة بالسوء ان أستغل عطلة السبت كي أذهب لزيارة صديق لي يقيم في ضاحية كوينز التي تقع خارج جزيرة مانهاتن في نيويورك. ولما كان قطار الأنفاق هو الوسيلة الأفضل توجهت لأقرب محطة من الفندق بعد أن قمت ببحث دقيق علي خرائط جوجل وحصلت علي ارشادات الطريق بدقة. كانت الوصفة السهلة تقضي بأن أذهب لمحطة شارع 53 واستقل القطار (ر) حتي محطة كوينز سنترال ثم اقوم بتبديله بقطار (في) حتي محطة جامايكا سنترال.
وباعتباري من قدامي ركاب خط المرج- حلوان اعتبرت أن الأمر سهل ميسور ، أخرجت دولارين وتوجهت إلي الكوخ الزجاجي الذي يجلس فيه بائع التذاكر وقلت تذكره، فتحدث من خلال مكبر صوت وهو يقول اتجه إلي الماكينة الخاصة ببيع التذاكر. لم أحرك ساكناً وأنا أتذكر جيداً أن ساندرا بولوك في فيلم شهير كانت تبيع التذاكر من داخل الكوخ ، لكن صمتي لم يجب عني فوجدت من يزيحني ويتقدم مكاني ليحادث رجل الكوخ ، فعلمت أن الرجل يقدم الارشادات للطريق كما يوفر عملة معدنية لاستخدامها مع الماكينات. لذا توجهت نحو الماكينة ووقتها حدث لي ما حدث مع الراحل أحمد سالم في فيلم الماضي المجهول عندما استعاد ذاكرته فجأة – لكن دون أن يسقط علي شئ من السماء – استعدت ذاكرتي عندما وقفت أمام الماكينة وتذكرت كيفية التعامل معها التي نسيتها لمرور أكثر من ستة أعوام علي أخر لقاء بيننا – أنا والماكينة طبعا – أحسست بارتياح شديد بعد حصولي علي التذكرة وتوجهت لاعبر البوابة باحثاً عن مكان ادخال التذكرة كما يحدث لدينا ، لكن لم أجد واتضح أنه من المفروض تمرير التذكرة علي جانب الماكينة حتي يتم العبور.
فور نزولي إلي رصيف المحطة وجدت أنه يتوسط شريطي قطار ووجدت أن هناك قطار يأتي بسرعة فهرعت للحاق به لكنه لم يتوقف من الأساس ، وقبل أن أتعجب كان قطار ثانٍ يأتي من الجانب الآخر ن توقف هذه المره لكن الشاشة الاليكترونية علي جانبه كانت تحمل حرف (أي) فتركته ن بعد خمس دقائق توقف قطار آخر من نفس الاسم فركب جميع المنتظرين وترددت ، لكن سيدة عجوز قالت من خلفي قطار (ر) لا يعمل في العطلات اركب (أي) .
هرعت للحاق بالقطار وأنا مغتاظ من سوء خدمة ارشادات جوجل التي أغفلت هذه المعلومة الهامة ،لذا فور دخولي بحثت عن خريطة قطارات الأنفاق فوجدت أنها تحتاج لدراسة مستفيضة وعدسة مكبرة حتي استطيع معرفة اماكن تواجد قطار (ر) هذا ، ومن ثم قررت البحث عن محطتي الرئيسية جامايكا سنترال ، لكن بحثي لم يطل اذ بعد بضعة محطات توقف القطار وغادره جميع الركاب معلناً وصوله إلي نهاية الخط فنزلت خلفهم ولمحت السائق يغادر موقعه فسألته عن جامايكا سنترال فأجاب بأنها في أقصي الطرف الثاني للخط وطلب أن أنتظر داخل القطار الذي سيعود أدراجه بعد قليل. من الواضح أني ركبت في الاتجاه العكسي فور أن سمعت نصيحة السيدة العجوز
عدت أدراجي وانتظرت داخل القطار متلهياً بمراقبة الركاب من حولي ومراعياً تعليمات الأمن الشخصي التي طالعتها مراراً علي مواقع الشبكة من ضرورة عدم تركيز النظرات علي شخص ما خاصة إن كان من الأفارقة حادي الطباع الذين يعتبرون ذلك من قبيل الاهانة. كانت الملاحظة الأهم هي أن الولايات المتحدة – باعتبار أن نيويورك هي أهم مدنها – سوف تصبح دولة ناطقة بالاسبانية بشكل تام خلال السنوات القليلة القادمة، فهناك سيل جارف من متحدثي الاسبانية يغزون البلاد ، واذا كان هذا الحضور اللاتيني واضحاً في مانهاتن ووسط طرقات الشوارع الكبري، فإنه يصبح طاغياً داخل قطار الأنفاق الذي تغلب عليه لمحة الفقر والفاقة، من بين كل عشرة حوارات حولي هناك ستة علي الأقل بالاسبانية واثنين بالصينية ، فالتواجد الاسيوي يتنامي بشدة علي الرغم من البعد الجغرافي الكبير بين الصين والهند والولايات المتحدة، لكن أمريكا اللاتينية لا تزال تلقي بفلذات أكبادها إلي الولايات المتحدة، ويخترقون كافة المجالات فمع وجود المهندس والطبيب الناجحان ، هناك لاعب الكرة الأمريكية ونجم كرة السلة ، وهناك المطرب والممثل ، وهناك أيضا عامل النظافة وبائع المقانق.
كان لافتاً أيضا وجود عدد لا بأس به من مواطني أوروبا الشرقية وهو ما لم ألمسه في زيارتي السابقة وهو ما سيحتاج لمتابعة دقيقة .
بحمد الله وصلت إلي محطة جامايكا سنترال فغادرت القطار وصعدت إلي الأعلي معتبراً أن الجزء الأطول من الرحلة قد انتهي، حيث أكدت ارشادات جوجل أن المسافة الباقية يمكن اكمالها سيراً علي الأقدام، وباعتباري قد لسعت من الحساء آثرت أن أنفخ في الزبادي ، فتوجهت لأحد أكشاك الجرائد لاسأل عن العنوان ، فأجابتني صاحبته أن علي ركوب حافلة لكون المسافة تحتاج لساعة من السير النشط – حسبما قالت – ، من جديد يثبت السيد جوجل أن عليه تحري الدقة ، لذا اشرت لأول سيارة أجرة وركبت ودفعت خمسة أضعاف تذكرة القطار والحافلة ، لا شئ يهم ، يكفي أنني صديق وفي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت