وقتك ثمين يا سيد

لابد من هدايا...
هذه هي القاعدة الرئيسية التي أمنت بها بعد أولي رحلاتي لخارج الديار، وقتها كنت غراً ساذجاً لا يهتم سوي بالمغامرة والتجربة الجديدة غير المسبوقة، لذا ركزت علي الرحلة في ذاتها ولم أدرك أن هذه الرحلة طالت أم قصرت سيوف تنتهي. وبعد السكرة أتت الصدمة ، عدت إلي قواعدي سالماً لأجد الجميع يترقبون عودتي بداية للاطمئنان علي أحوالي ، وثانياً للتعرف علي ما أحمل في جعبتي من هدايا، وكانت خيبة الأمل التي علت وجوه الجميع هي ما أخرجني من السكرة، وحتي لا أواجه مثل هذا الموقف تعلمت أن أخطط قبل سفري ليوم عودتي.
لذا في هذا اليوم الذي لم تتجاوز برودته ثلاث درجات فكرت في يوم العودة ، لذا خرجت وأنا لا ألوي علي شئ متجهاً نحو أقرب سوق تجاري ضخم حتي أشتري الهدايا
كانت هناك بالتأكيد قوائم مطالب أكثر مما طالب به عرابي باشا الخديوي توفيق ومن ثم كان التعامل معها لا يحتاج إلي الكثير من الابداع أو الارتجال ، لكن كانت هناك شخصيات لا بد أن أهديها شيئاً دون أن تطلب، في مقدمتهم زميل عمل كان يفترض أن ينضم بي في هذه الرحلة لكن سفره تعثر في اللحظات الأخيرة، وبنبل الفرسان الذي أتحلي به قررت أن أبتاع له هدية رمزية . فكرت في هذه الهدية كثيرة متنقلاً بين أفكار من نوع ربطة العنق أو عطر راقٍ أو بعض تذكارات السفر ، لكن لفت انتباهي متجر للشوكولاته يعرض ما سماه شوكولاته حلال ، دخلت لاروي فضولي فوجدت أن المتجر التابع لاحدي أشهر الشركات العالمية يقدم نوعاً من الشوكولاته لا يحتوي علي أي مركبات خمور أو كحول أو زيوت أو شحوم محرمة ، ويضعها في علبة تزدان بزخارف عربية ومدون عليها بخط كبير بالعربية " حلال" . ولكوني متشكك في نوايا هذه الشركات توجهت نحو صف أخر من المنتجات يحمل عنوان شوكولاته العائلة والاحتفالات وطفقت أقارن بين المكونات في الجانبين ، وكما توقعت وجدت أنها متطابقة وأن الشوكولاته الحلال هي ذاتها الشوكولاته المبيعة للعائلات التي تتجنب الخمور والكحوليات وتعتمد علي الشحوم والزيوت النباتية ، اقترب مني أحد الباعة عارضاً المساعدة فجعلت أناقشه في المكونات والمحتويات باعتباري خبيراً في الشوكولاته ولم أصمت حتي اعترف البائع أن الفارق هو الغلاف الخارجي الذي صمم لاجتذاب المسلمين. هنا فقط قررت ألا أكون واحداً ممن انطلت عليهم الخدعة وابتعت لصديقي العلبة التقليدية . قبل ان أغادر المتجر تبعني البائع قائلاً أن مديرة المكان ترغب في لقائي . كانت سيدة في أواسط العمر تحمل اسماً ينم عن أصول شرق أوروبية ، قالت أنها تابعت حواري مع البائع وسعيدة باهتمامي بمنتجاتهم ، وأنها ترغب في خمس دقائق من وقتي للاجابة علي بعض الأسئلة التي يحتاجون اجابات لها لتطوير سياستهم التسويقية ، ولما كان التعب قد بلغ مني مبلغه جراء السير لوقت طويل رحبت بالجلوس لكن فقط لخمس دقائق لكون وقتي لا يسمح بأكثر من هذا.
بدأت الأسئلة بسؤال يبدو سهلاً لكني رأيته عسير ، قالت هل ستبتاع هدية لصديق أو لصديقة ، الاجابة التلقائية أني سابتاعها لرفيق عمل ، لكني توقفت قليلاً مسترجعاً الأبعاد الثقافية المختلفة لما وراء المحيط وقلت .
قالت عندما اخترت الهدية هل يتم ذلك بناء علي سعر الهدية أم علي شخصية المهدي له ؟ ....أكيد السعر...لكني قلت طبعا المهدي له ،
قالت اختر معدل دخلك السنوي، كانت اقل شريحة من 50-75 ألف دولار وباعتباري لم أجد شريحة أدني قررت أن أختار الشريحة الأعلي فاخترت شريحة 75-100 ألف دولار ...هي لن تري حسابي في البنك بكل تأكيد ،
قالت كم مرة تذهب للتسوق في الشهر ، مرتان في الأسبوع...لشراء الأجبان والخبز بالتأكيد ،
قالت ما هي مكوناتك المفضلة في الشوكولاته؟ كل ما تستخدمه شركة كورونا باستثناء القش ونشارة الخشب والمسامير قالت الشوكولاته هدية رومانسية فهل يعني لك هذا شيئاً ؟
الحمد لله اني قلت لها زميلة عمل والا كانت ستكون فكرة خاطئة عني يصعب علي تعديلها .
استمرت في توجيه أسئلة كثيرة عن طريقة العرض وأسلوبه وما يروق لي ، وأسئلة أخري عن الشركة الأم ومدي معرفتي بها ، وهكذا دواليك.. عندما انتهت طلبت أن أكتب اسمي أسفل الورقة مبررة ذلك بالتأكيد علي أن هناك شخص حقيقي اجاب عليها وأن الاجابات ليست من اختلاقها .
وقفت مودعاً إياها وحالما هممت بالمغادرة كانت تخرج من جيبها ورقة من فئة الخمسة دولارات وتمدها إلي قائلة نشكرك علي تعاونك معنا !!!!!
شعرت بامتعاض شديد من هذا التصرف وقلت اني لا اقبل ، فرددت بشكل اوتوماتيكي كمن تدرب علي هذا مراراً قائلة " وقتك ثمين يا سيد وهذا مقابل له
زاد هذا الرد من توهج غضبي فقلت ان وقتي أثمن بكثير من دولاراتك الخمس ، لماذا لا تحتفظين أنت بهم
وانطفا غضبي دفعة واحدة عندما وجدتها تضع النقود في جيبها قائلة : شكراً جزيلاً هذا كرم منك

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت