الموت في غينيا الاستوائية

هل سمعت عن بلد تسمي غينيا الاستوائية ؟
هل تتصور أن تذهب هناك ؟
هل من الممكن أن تكون زيارتك لها بلا عودة ؟

نعم هناك بلد بهذا الاسم ...
وهناك من يذهب إليها ...
ومنهم من لا يعود.
***
ربما كنت أعرفه ... ربما كان زميلي في المدرسة الاعدادية .
كان فقره واضحاً للعيان ، كان والده عامل أجير ، يشتغل يوماً ويجلس في منزله أيام
لذا لم يكن ابراهيم يوما ليحلم أن يكون ضابطاً أو طبيباً أو حتي مهندساً
كان يعلم أن حياته لها مسار مختلف ، يجب أن يجد عملاً بأسرع ما يمكن ، المدرسة لا تطعم خبزاً ، والحمل ثقيل علي والده ... ستة من الأبناء وزوجة وأم.
كنت أعرف ابراهيم ، لكن زمالتنا لم تكن لتتجاوز حدود " صباح الخير " ، "أهلا"
ربما لم ألاحظ عندما لم يعد يأتي للمدرسة.
لم أره إلا بعد عام وأكثر عندما احضر أبي نجاراً كي يصلح نافذة حجرتي ، ودخل ابراهيم معه!!!
وببلاهتي الطفولية كنت أحييه وأساله " أهذا والدك ؟ "
فرد بجمود : لا هذا معلمي ، اتعلم منه النجارة
صحيح اني حاولت ان أحادثه واني طلبت من النجار أن يحضره معه،وألا يحضر صبياً غيره عندما ياتي في الغد ، وصحيح أنه جاء ليومين متتابعين ، لكن هذا الحوار كان أخر حوار لي معه كزميل دراسة ، لقد اختفي بعدها .
مرت سنوات وسنوات ، وذات يوم كنت أسير عائداً إلي منزلي فإذا بابراهيم أمامي وقد أطلق شاربه وهو يمسك برضيع علي كتفه ، استوقفته لأحييه وانا أسال ؟ ابن من هذا ؟
أجابني بكل فخر : ابني .
قال لي أنه التحق بعمل في شركة مقاولات ، وانه يحصل علي دخل معقول شجعه علي الزواج ،وها هو قد صار أباً وهو لا يزال في العشرين من عمره.
طبعا كنت أنا لأ أزال طالباً بالسنة النهائية في الجامعة ، ينفق علي والدي
لا أنكر أني غبطته علي ما صار إليه
مرت أعوام وأعوام أخري
وتزوجت أنا ، وفي يوم كنت أسير مع زوجتي متوجهين إلي بيت عائلتي عندما فوجئت بسيارة نقل تمر برعونة إلي جانبي وسائقها يصدر أصواتاً مزعجة بآلة التنبيه قبل أن يتوقف أمامنا ، ويقفز خارج السيارة
قبل أن أتفوه ببنت شفه كنت أتعرف السائق : ابراهيم
لمحني فحاول ممازحتي بطريقة مزعجة كعادتنا
قال ان ابنه التحق بالمدرسة ، وصار له أخت ، وان شركة المقاولات حصلت علي عمل في دولة أفريقية لا يتذكر اسمها ،وانهم سيرسلوه هناك.

كانت هذه هي أخر مرة رايت فيها ابراهيم
لكن لم تكن أخر مرة أسمع عن أخباره

فاليوم فقط قرأت أن عاملاً مصرياً لقي مصرعه في حادث أثناء تنفيذ مشروع بناء تقوم به احدي شركات المقاولات المصرية في دولة افريقية تسمي غينيا الاستوائية

كان العامل يسمي إبراهيم

رحمة الله عليك يا صديقي

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت