رمضان هذا العام


يظل رمضان هو ذلك الشهر الذي يملأ وجدانك بهذه المشاعر غير المسبوقة والتي تحس في كل مرة بأنها تختلف عن سابقاتها ، وأن هناك شيئاً فريداً بميزها عن كل ما سبقها .
ومن فضل الله أن هذه المشاعر ترتبط بزمان ولا ترتبط بمكان ، فمن يعيش في القطب الشمالي أو في قاهرة المعز تنتابه تلك المشاعر ، صحيح أن الجو المحيط له تأثير لا يستهان به ، لكن هذا التأثير له آثار جانبيه لا تدركها الا اذا ابتعدت عنه وخضت نفس التجربة لتدرك حينها هل صحيح أن الجو المحيط له أثر ايجابي علي رمضان ؟
ولنعد إلي قاهرة المعز ، فمن دون شك أن الجو العام لرمضان له تأثير قوي في حث الناس علي التمسك بالعبادات واستشعار المناسبة العزيزة ، لكن هذا لا يكفي فهناك أيضا مثبطات كثيرة مختلطة بالمشجعات ، وهو ما يؤدي إلي انحسار وفتور في الهمة والعزيمة التي نراها قوية للغاية وفي أوجها خلال الثلث الأول الذي لا تجد فيه موطئ قدم داخل أي مسجد في صلاة الفجر ، حتي أن من يؤدون الصلوات بانتظام طوال العام يجدون أنفسهم خارج المسجد الذي ضاقت جنباته بالركع السجود ، وامتدت البسط علي جوانب الطرقات لتحوي باقي المصلين ، هذا في صلاة الفجر فما بالك بصلاة القيام التي يجب أن تذهب قبل الإفطار لتحجز مكانك داخل المسجد والا فستصلي في العراء.
وفي الثلث الثاني يبدأ تأثير المثبطات في الظهور وتضعف العزائم ويقل الضغط الهائل علي المساجد ، ويتحول الضغط إلي المقاهي والأندية ويتسمر الجميع أمام شاشات التلفزيون ، ويستمر الوضع في التدهور حتي تقبل العشر الأواخر ، فيفيق البعض ويستعيدون همتهم لمواصلة العبادات فيما يواصل الآخرون التسويف والانتظار حتي ليلة القدر والتي يصل فيها المؤشر الإيماني إلي قمته ، ومن بعدها ينحسر بسرعة هائلة حتي تكون ليلة العيد كأنها وداع حزين خجول للعبادة ، هذا بالتأكيد الا من رحم ربي.
ومن الغريب للغاية ان هناك بلاد عربية تجعل من ليلة السابع والعشرين أخر ليال القيام حيث يتم ختم القرآن وتنتهي العبادات رغم استمرار رمضان ، كأنهم حصلوا علي شهادة العتق من النار ولم يعد هناك داعٍ للمزيد من الجهد.
هذا هو الحال في قاهرة المعز وغالبية المدن الاسلامية الكبري ، لكن ما بال باقي الحواضر الاسلامية أو ذات التواجد الاسلامي .
هنا لا توجد نفس النوعية من المثبطات بل من نوع مختلف ألا وهو عدم الشعور بأن هناك رمضان من الأصل ، قياساً بالوضع في القاهرة مثلاً فليس هناك زينات في الشوارع !! وليس هناك مواعيد عمل مختلفة ، ولا تسمع عبارة رمضان كريم الا من القلة المسلمة التي تلقاها وتدرك هذه الجملة وهم غالبا العرب ليس الا ، أو عبر الهاتف من أهلك وأصدقائك هذاان استطعت محادثتهم بسبب الضغط الهائل علي شبكة الهواتف فور اعلان المفتي ان غداً هو اول ايام شهر رمضان وذلك بعد تعديده للجان التي انتشرت في طول البلاد وعرضها للبحث عن الهلال بالعين المجردة وغير المجردة رغم وجود السحابة السوداء والتلوث الذي يعبق الأجواء.
لا تدرك أن هناك رمضان لان أصحاب البلد اما ليس لديهم رمضان ، او لديهم رمضان خاص بهم مشبع بالعادات المحلية والتصورات الخاصه بهم ، وهي بالتاكيد لا ترتبط بالاسلام في مجملها ، ولا تنتمي للصورة الذهنية الخاصة بمن اتي من المشرق الاسلامي .
اذا كيف تحتفظ برمضانك معك اينما كنت ؟ عليك ان تغير من تصورك لرمضان ، بالتركيز علي ما لايتغير والبعد عما قد يتغير، فالصيام ذاته والصلاة وقراءة القرآن ثابته في القاهرة وفي القطب الشمالي ، قد تصوم من السابعة صباحاً إلي الثانية ظهراً أو العاشرة مساءً لكنك تصوم ، قد تصلي خلف امام سعودي يعمل في الكاميرون ، أو مبعوث أزهري يعمل في كوريا ، أو حتي شيخ امريكي في الأمم المتحدة ، لكنها هي هي الصلاة ، قد تصلي القيام في مسجد تحت منزلك ، او تقود سيارتك لمسافة طويلة في طريق مظلم ، او حتي تركب القطار لتصل إلي المسجد في ليلة باردة ، لكن المسجد هو هو ، بيت الله الذي فتحه لعباده. كذلك القرآن كتاب واحد قراته علي حفص او ورش او قالون ، هو هو كتاب الله الذي تكفل بحفظه الي يوم الدين.
ان المشاعر التي يجلبها رمضان لا ترتبط بالجو المحيط ، بل ترتبط بوجدان الواحد منا وهو المسئول عن تنمية هذه المشاعر وتقويتها وتحويلها إلي قوة دافعة تؤمن له الاستمرار في الاستفادة من هذا الشهر دون ان تنحسر همته او تضعف عزيمته ، فلربما كان هذا هو اخر فرصة للعتق من النار ولربما لا ياتي بعده غيره ، فليس هناك أسرع من نفاد الأعمار ، فالهم ربنا اجعلنا ممن اعتقت رقابهم في هذا العام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت