...اصابة ملاعب 1/2

كان يوماً جميلاً... صباح مشرق ونسيم بارد ...ويوم عطلة أيضا
ونظراً لأني في بلدي الثاني فليس هناك من الأنشطة التقليدية للعطلات أي شئ ، فالعطلة يوم الأحد وليس الجمعة ، وبالتالي لن استيقظ لإشتري فول وطعمية ، أو أقضي فترة قبل الصلاة في قراءة صفحات الرياضة في أهرام الجمعة ، ولن أقف مع أصدقائي بعد الصلاة كي نتجادل عن حكم مباراة الأهلي والترسانة ، أو مرتضي منصور ، أو شئ من هذه الموضوعات الحساسة.
لا توجد أنشطة يمكن القيام بها في العطلات ، وفي غير العطلات يتركز النشاط الأساسي في العمل والعمل ... وربما للتغيير القليل من العمل .
يومها كنت أشعر بذلك الشعور المعتاد الذي اسميه اكتئاب صباح الأحد ، والذي ينتابني كما هو واضح صباح يوم...الأحد بالتأكيد...
وملخصه انه بعد أسبوع من العمل الشاق تأتي العطلة لتجد أنك ستقضيها في عالمك... أي ستبقي تحاور الشخص اللطيف الذي تراه في المرآة . وعندما تمل من محاورته تجد أنك عدت للعمل من جديد ، وهكذا دواليك .
يكون الصراع هنا بين حدوث تغيير ، والملل من التغيير المنتظر ، أي أن حتي التغيير المنتظر لا يخرج عن قوالب بعينها
في هذا اليوم قررت كسر القوالب والدعوة لمباراة كرة قدم اتولي تنظيمها ، وطبعا هذا واحد من المصاعب الكبري التي تعيق النشاط الرياضي في العالم العربي والدول النامية
حتي ننظم مباراة كرة يجب أن يكون هناك لاعبون ، وبالتالي لابد من الاتصال بهم ، واستعطافهم ، وتقبيل الأيادي والأقدام وكأني أدعو بيليه ومارادونا للعب المباراة ، فهذا مشغول للغاية بمتابعة زيادة وزنه الأخيرة ، وذاك لا يفتأ يتابع أسهم البورصة ، وثالث لن يحضر الا بعد أن ينتهي المسلسل ، ورابع لا بد أن يمر عليه من يصطحبه
هذا الصداع هو ما يجعلني أزهد في لعب الكرة .
وفي هذا اليوم استغرقني الأمر ساعتين ومكالمات تليفون بمبلغ ليس بالقليل حتي جمعت الحد الأدني من اللاعبين ، وتبرع أحدهم باحضار الكرة بشرط أن نسمح لشقيقه ذي الثمان سنوات أن يلعب معنا ، لأنه صاحب الكرة ، نموذج أخر لسيطرة أصحاب مكونات الانتاج علي العمالة والبروليتاريا الكادحة.
وفي الساعة الرابعة كان اللاعبون يتوافدون علي الملعب ، وفور أن اكتمل النصاب وشرعنا في اللعب ظهر مارد يطلب منا وقف اللعب ، ويقول أننا نعتدي علي ملكية خاصة !
من مميزات الناس في بلدي الثانية انهم متعلمون ، حيث لا تتجاوز نسبة الامية 20% وبالتالي فإن الشعب يتحلي بفضائل التعليم ، وعلي رأسها معرفة المصطلحات الكبيرة ، ومن ثم يبالغون في استخدامها في الحوارات العادية والمتكررة
ولشدة متابعتهم للمسلسلات الامريكية صاروا يستخدمون الجمل المتكررة فيها وعلي رأسها : ملكية خاصة
لذا عندما اقتحم ذلك المارد الملعب كان يخبرنا بأننا اعتدينا علي ملكيته الخاصة ، والتي هي الملعب
كان هذا ضرباً من الخبال ، فالملعب عبارة عن أرض ترابية تحيطها الحشائش من كل الجهات ، مما يجعلها كبقعة صلع في رأس شاب غزير الشعر ، وما يمنحه صفة الملعب هو وجود مرميين خشبيين في طرفيه ليس أكثر.
توجهنا إلي المارد لنفهمه بأنه يهذي وان هذا الملعب " بتاع الحكومة" لكنه بدأ يصيح وينادي علي الناس لتري هولاء الذين يدعون أن الحكومة اشترت أرضه
كان من ضمن اللاعبين عدد من مواطني بلدي الثاني ، الذين فهموا القصة سريعاً ، وعرفوا ان الرجل رأي مجموعة من الأجانب فسعي لاستخراج بعض النقود منهم
تحلقنا حول المارد كأنه رجل علم ونحن من مريديه ، وعبثاً حاولنا اقناعه بأننا " لا نأكل من هذا الكلام "ولما فشلنا تدخل أصحاب البلد وقالوا له ما معناه " سنلعب كما نريد ولو كنت رجلاً حقاً افعل شيئاً"
وكان هذا هو القول الفصل ، فقد ظهرت علامات خيبة الأمل علي وجه الرجل وولانا دبره واختفي من المكان ، بعدها قال أحدهم هذه عادة سيئة في مواطنينا وعلاجها صعب فالواحد منهم يقارن يقول لنفسه لو نجحت في ابتزازهم سيعطونني بعض المال ، وان فشلت فلن أخسر شيئاً ، لذا فعلاج هذا التصرف صعب إلا في حال ابلاغ الشرطة مثلاً
نحينا الموضوع جانبا وبدأنا مباراتنا المثيرة للغاية ، فريق يضم جنسيات عربية وأفريقية ، ضد فريق يضم جنسبات عربية وأفريقية أيضا... وبالمناسبة هي نفس الجنسيات في الجانبين
استمرت المباراة نحو الساعة وانتهت بنتيجة لا يعرفها أحد نظراً لأن اللعب كان يتركز علي احراز هدف وتغيير الحارس ، وليس فوز فريق علي آخر
كانت أنفاسي متصارعة ، وجسدي مكدود من هذا القدر الهائل من الرياضة ، وحينما توجهت نحو صديقي الذي اصطحبته معي عندما وصلت وجدته يجلس ، ظننته متعباً مثلي فمددت يدي كي أساعده علي الوقوف ، لكنه لم يمد يده وحاول الوقوف ببطء وظهرت علي وجهه علامات آلم شديد فقلت
ماذا جري ؟
يتبع قريباً

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت