...جاربا يذهب إلي الحج

الكل يعرف جاربا ... أنشط الحراس... شعلة من الحركة والحماس... لا يكل ولا يمل
وهي صفات نادرة بين رفاقه من الحراس الذين ينامون قياماً وقعوداً ، ويحتاجون إلي من يوقظهم. وهنا جاء دور جاربا
لقد تحول من حارس نشيط إلي مراقب للحراس يعمل علي مدار اليوم ، يفاجئ الحراس في أي وقت ليعرف من ينام ومن يبيع الأغراض ومن يعمل.
وحدث تحول كبير في عمل الحراس ، فكما أن من يضبط مهملاً يعاقب ، فإن من يؤدي عمله بشكل مرضي يكافأ .
والعقاب والمكافأة يأتيان بعد توصية من جاربا للمدير ، الذي يتحري عنها قبل أن يصدر قراره ، ولم تخيب تلك التحريات مطلقاً توصية جاربا ، ولم يشكك أحد في نزاهته ... المعاقبين قبل المكافئين ، وهذه علي الرغم من أن الفساد يضرب بجذوره في أعماق هذه البلاد ، حتي أن النزاهة صارت هي الاستثناء الذي يثير العجب.
علي الرغم من التميز الكبير لجاربا إلا أنه كان يعاني من مشكلة ... أنه أصم
لكنه واجه مشكلته تلك بقدرة خارقة علي قراءة حركات الشفاه ، مع العلم بأنه كغالبية زملائه لا يجيد القراءة أو الكتابة ، ويتكلم في الأساس لغة قبيلته الهوسا ، وقليل من الانجليزية والفرنسية.
هذا لأن قبيلته تمتد في عدة دول ، وقعت بعضها تحت احتلال فرنسي ، والبعض الآخر تحت احتلال بريطاني ، وترك كل واحد منهما لغته كي تصبح لغة رسمية للبلد ، كي يتوحد تحتها مختلف القبائل التي تتكلم عشرات اللغات المحلية ، ولكي تتفاهم لا بد لها أن تتكلم لغة الاحتلال.عاشت هذه القبائل مئات السنين في استقلال تام حتي جاء الاحتلال وقسم أراضي أفريقيا دولاً ، دون مراعاة لأوضاع القبائل التي صار عليها أن تواجه حكومات تعتبر بعضها مواطنين وبعضها أجانب ، ومن هولاء كان جاربا الذي وجد نفسه يعيش في بلد لا يحمل جنسيته لأنه بعد انتهاء الاحتلال صار أبوه من بلد وأمه من بلد أخري ، والاثنان من قبيلة واحده تعيش في نفس المناطق منذ قرون. وبعد ان زادت المضايقات من رجال الشرطة ومحاولات ابتزازه قرر أن يرحل إلي البلد التي يحمل جنسيتها .
لكن قراره هذا أدي إلي أن يدخل في نزاع مع أخوته من أبيه الذي تزوج خمس نساء ، فكلهم شركاء في تجارة الأب الذي رحل ولا يستطيعون أن ينهوا تلك المشاركة ، وكما يحدث دوما اتفق الاخوة ان يعطوا جاربا مبلغاً من المال مقابل ان يبيعهم نصيبه في الشركة ، ولكن هذه المرة اتفق الاخوة ضده واعطوه مبلغاً لا يساوي عشر نصيبه ، وعلي الرغم من الظلم البين رضي جاربا بهذا المبلغ مدركاً أنه لن يستطيع فعل شئ فاخوته من الأب يحملون جنسيات امهاتهم اللاتي قرر الاحتلال انهم مواطنين فيما اصبح هو اجنبي ، واللجوء للقضاء قد يجعله يحبس أو يفقد المبلغ اليسير الذي حصل عليه، وبالتالي فإن الرضا هو الحل الوحيد.
رحل جاربا إلي بلده الجديد الذي يعتبره مواطناً ، والذي لم يره من قبل ، لكن أخواله يعيشون هناك
وعند كبيرهم استقر جاربا لأيام كما تقتضي واجبات الضيافة ، شرع خلالها في البحث عن مشروع يستثمر خلاله ميراثه من أبيه ، وسرعان ما عرفه خاله بشاب من أقربائه يعمل في تجارة قطع غيار السيارات المستعملة ، وقرر جاربا أن يمنحه معظم المال لشراء صفقة كبيرة والبدء في توزيعها ، وسافر شريكه إلي بلجيكا أكبر أسواق السيارات المستعملة في العالم ، وعاد بعد أن اتفق علي الصفقة ، وبعد أشهر وصلت إلي الميناء لكن الجمارك رفضت الافراج عنها بدعوي منع استيراد بعض أصنافها ، وعبثاً حاول جارباً وشريكه التصرف ، حتي أخبرهما احد مسئولي الجمارك أن الصفقة ممكن أن تدخل لو دفعاً مبلغاً من المال له ، اضافة إلي نسبة في أرباح البيع.
وبعد أسابيع من المساومات اتفق الجانبان ، علي أن يحصل رجل الجمارك علي حصة من الصفقة يتولي هو توزيعها لحسابه ، مقابل السماح بدخولها البلاد.
وبعد أشهر دخلت الصفقة للبلاد ، لكن المفاجأة كانت أن رجل الجمارك باع نصيبه إلي أحد كبار تجار قطع الغيار الذي وزعها في السوق بأسعار زهيدة للغاية مما اضطر جاربا وشريكه إلي البيع بأسعار أزهد نظراً لحاجتهما الشديدة للنقود.
وقبل أن يبيعا نصف ما تبقي من الصفقة كان رجال الضرائب يداهمون المخزن ويصادرون ما به بحجة عدم سداد الضرائب التي قدرت بمبلغ يفوق ثمن الصفقة ككل.
وبعد شد وجذب تلقيا عرضاً جديداً من أحد مسئولي الضرائب أن يتم تخفيض المبلغ مقابل دفغ مبلغ مالي له.
هذه المرة رفض جاربا وقال " ليأخذوا البضاعة ويبيعوها هم ، سيوفرون علينا العناء وايجار المخزن "
بعدها اعتكف جاربا في منزله وقد عرف اليأس طريقه إلي قلبه
جائته أمه وخاله ليخبراه أن المخرج من هذا الوضع أن يتزوج!
وقبل أن يجيب كان خاله قد زوجه من خديجتو احدي بناته ، وبني له بيتاً صغيراً بالطين يضم حجرة ومطبخاً ودورة مياه ، ومنحه وصلة لانارة البيت.
كان ذلك التصرف غريباً جداً لكن الأغرب أنه كان نهاية فترة الاحباط ، فرغم أنه لم يلتق زوجته قبل الزواج الا لماماً ، إلا أنها كانت فاتحة خير عليه
فبعد الزواج بأيام بدأ جاربا في البحث عن عمل ، وكانت اعاقته دوماً سبباً في الرفض ، فقرر أن يشتغل كعامل بناء في موقعين مختلفين . عمل 18 ساعة متواصلة بلا كلل لأكثر من ستة أشهر ، خلالها حملت زوجته بطفلتهما الأولي التي سماها حواء كأمه.
وبعد أن ولدت حواء كان البناء قد انتهي في الموقعين ، وصار جاربا عاطلاً من جديد
عاش علي معونة خاله وأمه ، وما تلقاه من مساعدات بعد ولادة طفلته
وبعد ثلاثة أشهر عمل فيها في أعمال يومية ، جائه أحد زملائه السابقين في البناء وأخبره أن أحد البنائين صار مقراً لشركة وأنهم يبحثون عن حراس ، فهرع ليلتقي بعض مشرفي البناء الذين شهدوا بنشاطه ، وعاونوه علي أن يصبح حارساً .
ومن هنا بدأ جاربا يتفوق ويصبح أنشط الحراس ، ثم مشرف الحراس .
كل من تعامل معه أعجب بقدراته وتصميمه ، وبذكائه
ورزقه الله بعد حزاء بطفلتين آخريين سمي واحده هاجر كاسم والدة زوجته ، والأخري عائشتو تقرباً من الرسول الكريم كما قال
لما سئل لماذا ، قال حتي يشفع لي يوم القيامة اذا جئته بثلاث بنات ، منهم أم البشر حواء ن وأم العرب هاجر ، وأم المؤمنين عائشة
وصل قوله العجيب هذا إلي آذان عديده ، وأصاب منها وتر الايمان ، فجمع ثلاثة من أصحاب الشركة مبلغاً من المال وابتاعوا له تذكرة للسفر إلي مكة لأداء الحج
عندما استدعوه ليعطوه التذكرة قالوا : هذا منا لك كي تقول عندما تقابل الرسول يوم القيامة أن أخواني هولاء فعلوا معي خيراً ، لعل الرسول يشفع لنا بهذا.
هكذا ذهب جاربا إلي مكة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت