... نداء استغاثة


منذ عبرت قوات طريف بن مالك المضيق إلي شبه الجزيرة الايبيرية ، وتبعتهم قوات طارق بن زياد ، ثم موسي بن نصير , أصبحت العلاقة بين الأندلس والمغرب ارتباط وجود ، لا يستقيم واحد دون الآخر ، وطوال حكم الدولة الأموية كانت الأندلس تابعة لوالي المغرب ،ولم يتغير الوضع الا بعد سقوط الدولة الأموية وبدء العباسيين مطاردة فلول الأمويين ، وكان أن فر عبد الرحمن المعروف بصقر قريش ، ووصل حتي الأندلس ونجح أن ينشأ دولة أموية جديدة لكن في الغرب .
وطوال حكم عبد الرحمن الداخل وأبنائه ثم الحاجب المنصور كانت الأندلس في عنفوان قوتها ، واستطاعت أن تجتاح الامارات الاسبانية المختلفة وتخضعها دون أن تحتاج أي دعم من الخارج لكن بعد تفتت الدولة العلوية وظهور حكم ملوك الطوائف ، بدأت الامارات الاسبانية تستقوي علي الملوك المتفرقين ، وكان أن نجحت اسبانيا النصرانية في توجيه أول صفعة عنيفة للدولة الأندلسية عندما استولي ألفونسو السادس علي طليطلة احدي أهم مدن الأندلس عام 1085 م .
هنا فقط أفاق بعض ملوك الطوائف ، وأدركوا أن أول الغيث قطرة ، وأنهم لن يمكن لهم أن يواجهوا عدوهم وحدهم.
لذا بعد عشرات السنوات عادوا للبحث عن إخوانهم من المسلمين ، وكانت المغرب هي أول من صادفهم ، فمنها جاء الفاتحون ، ومنها يأتي المنقذون
عبر سلطان الموحدين ( يوسف بن تاشفين ) إلي الأندلس وواجه ألفونسو السادس ووهزمه عام 1086 م في موقعة الزلاقة التي أعلنت أن دولة الاسلام في الأندلس وان كانت قد ضعفت بنفسها ، لا تزال قوية باخوانها.
لكن بعد النصر وقع الخلاف بين الأشقاء ، فملوك الطوائف خافوا أن يطمع المرابطون في دولهم ، والمرابطون خشوا أن يتحالف ملوك الطوائف مع الاسبان ضدهم.
وصار هذا هو المسلسل الذي تكرر عشرات المرات ... هزيمة علي أيدي الاسبان ، استغاثة بملوك المغرب... المرابطون ثم الموحدون ثم بنو تومرت وبنو مرين والادارسة ... فانتصار وايقاف التوغل الاسباني ثم خلافات.
لكن عندما ضعفت سلاطين المغرب ، وصاروا غير قادرين علي انجاد الأندلس ، ولت الأندلس وجهها شطر مصر ،فعلي الرغم من البعد الجغرافي بين البلدين خاصة في تلك الأزمان التي كانت فيها الأسفار مخاطرات شديدة ، إلا أن مصر كانت الاختيار الأبرز فقد كانت قائدة الانتصار علي الدول الغربية خلال الحروب الصليبية المتوالية ، ولا تزال تحكم المناطق المقدسة للنصاري ، إضافة إلي أن سكانها بينهم ملايين من نصاري الشرق.
بعدما أصبحت غرناطة هي الأندلس الصغري ، وتضاعف التهديد المحيط بها ، وعجز دولة بني مرين في المغرب عن اغاثتها ، لجأ ملكها الأيسر بن الأحمر إلي الاستغاثة بسلطان مصر المملوكي الظاهر جقمق ، حيث أرسل أربعة من السفراء عام 844 هـ يرجو فيها سلطان مصر الانجاد والغوث لما رأه من اشتداد وطأة النصاري علي أراضي مملكته.
كانت مصر وقتها قد دخلت في عصور الضعف المملوكي ، فأخر انتصار كبير لدولة المماليك مر عليه مائتا عام ، وكانت التهديدات تحيط بمصر من جانب الدولة العثمانية التي ما فتئت تضع مصر تحت الحصار تمهيداً لضمها لملك سلطان القسطنطينية ، وهو ما تحقق بالفعل بعد ثمانين عاماً من وصول سفراء الأيسر بن الأحمر.
لذا رد الظاهر جقمق بأنه سوف يبعث إلي سلطان القسطنطينية بأن ينجد الأندلس ، ولما أكد السفراء أنهم يتوجهون بصريخهم إلي مصر ، اعتذر السلطان بأن بعد الشقة يحول دون ارسال الجند إلي الأندلس ووعد أن تساهم مصر في المعونة بالمال والعدة.
أما أخر استغاثة صدرت من الأندلس إلي مصر فجاءت متأخرة للغاية وقبل سقوطها في أيدي فرناندو وايسابيلا بوقت وجيز حيث تلقي سلطان مصر المملوكي "الأشرف قايتباي" استغاثة من أبو عبد الله الصغير في أواخر عام 892 هـ - أي قبل خمس سنوات من سقوطها – حيث طلب ملك غرناطة من السلطان أن يرسل له " تجريده تعينه علي قتال الفرنج فإنهم أشرفوا علي أخذ غرناطة وهو في المحاصرة معهم" .
وكما يظهر فإن سلطان مصر أدرك أن الجهود العسكرية المباشرة لن تجدي نفعاً فقرر اللجوء إلي الضغوط السياسية ، فاختار راهبين من دير القديس فرنسيس في بيت المقدس وأرسل معهما كتب إلي البابا أنوسان الثامن ، وإلي ملك نابولي فرناندو الأول ، وإلي ملكي قشتالة وأراجون.
قام السفيران بزيارة روما ومقابلة البابا الذي كتب إلي فرناندو وايسابيلا يسألهما عما يجيب به علي مطالب السلطان ووعيده ، وكتب ملك نابولي إليهما يلومهما علي اضطهاد المسلمين وينصح بالكف عنه حتي لا يتعرض نصاري الشرق إلي قصاص السلطان.
وعندما وصلا إلي فرناندو وايسابيلا لقيا كل الحفاوة والترحيب ولكنهما لم يأبها بتهديد السلطان فكتبا إليه في أدب ومجاملة أنهما لا يفرقان في المعاملة بين رعاياهما المسلمين والنصاري لكنهما لا يستطيعان صبراً علي ترك أرض الآباء في يد الأجانب وأن المسلمين سيلقون ما يلقاه الرعايا الآخرين " .
كانت محاولة فاشلة ، حتي أن السفيرين وصلا إلي بلاط فرناندو وايسابيلا بعد سقوط غرناطة ، لكن لم يكن بالامكان أفضل مما كان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نانسي الحبوبة وشقيقها سلوجو

حجة الحجاج... أحمد بهجت